سأقطع مؤقتاً سلسلة ملاحظاتي عن المساخر التي تحتويها مناهج لغتنا الأم .. والسبب هو تدوينة أكثر من مهمة لزميلنا "هاني" .. لا تكمن أهميتها في الطرح فقط بل أيضاً في تعليقات الزوار عليها.. والتي نكأت جروحاً علينا أن نواجهها لأن "وجع ساعة ولا كل ساعة"..
هل "البتاع" الذي نتحدث ويتحدثون عن تطويره في المؤتمرات و"قعدات" الصالونات وبرامج الفضائيات هو "تعليم" أم "تربية وتعليم"؟ لماذا نتعامل وتتعامل الوزارات مع "التربية والتعليم" كأمرين منفصلين؟
هل لدينا ولدى الوزارة -بمعنى آخر- بأن للبيت دوره في التربية ، وأيضاً التعليم ، مثل ما للمدرسة؟ هل كل منهما يمارس دوره؟
في جلساتنا الخاصة .. نقعد "رجل على رجل" ونقول بكل ثقة : "العبرة بالبيت يا جماعة .. المدرسة ما لهاش أي دور .. دورها تعلم الولاد وبس.. أما التربية .. القيييييم.. المثلللللل.. الأخلاااااااق.. فمصدرها البيت"..
أغلب من يقولون هذا الكلام هم من ينفض يديه من تربية أولاده ، تاركاً الموضوع لمؤسسات المجتمع المحيط - ومن بينها المدرسة- لتشكيل ابنه أو ابنته وهو الذي كان بالأمس القريب لا يقيم أي وزن لأهميتها في تجهيز الابن أو الابنة للحياة..
أما المدرسة التي هي عمود النظرية الرابسوماتيكية الجملية فهي ترى أن مهمتها التعليم فقط.. (صحيح اسمنا "وزارة التربية والتعليم" بس احنا بنركز في التعليم بس وسايبين التربية للبيت) ..
هكذا بدا الموضوع.. كل طرف يترك للطرف الآخر مسئولية التربية.. تماماً عزومة المراكبية "اتفضل .. لا انت الأول .. ميصحش.. ميصحش.. حلفتك بالله انت الأول.. عليا الطلاق ....الخ)..
منطق العزومة سالف الذكر قد يكون ذا علاقة بالثقافة البيروقراطية .. حيث أن أغلب مجتمعنا بيروقراطي مع تناقص عدد المشتغلين بأنشطة أخرى كالزراعة مثلاً (حتى عمال المصانع الحكومية محسوبون قانوناً على فئة الموظفين) .. وحتى غير البيروقراط التقطوا العدوى بدورهم .. والبيروقراطية المصرية تشربت "اللامبالاة" حتى في أخص خصوصيات حياتها.. تنشئة الطالب صارت عملاً روتينياً مملاً بالنسبة لجل أولياء الأمور تماماً كالأعمال التي يكسبون منها عيشهم.. "عملت الواجب يا حبيبي؟ اغسل إيدك قبل الأكل وبعديه.. واشرب اللبن علشان تكبر".. أما في المدرسة فالأمر ألعن.. "اشرب المنهج علشان تجيب مجموع"..عن نفسي اكتشفت كطالب سابق أن نجاح المدرسة -بدون مبالغة-يكمن في أن يحصل الطالب على أعلى مجموع حتى ولو لم يحضر حصة واحدة طوال العام كما في التعليم الثانوي.. وأما في المراحل السابقة وأيضاً في الثانوي فالشعار معروف :لا تفكر فالمنهج يفكر لك .. لا تطبق فالتطبيق رفاهية .. لا تكن مملاً كثير السؤال.. "انت مش حتفهم أحسن من كتاب الوزارة"..
"التربية والتعليم" كلمة واحدة في رأيي وليست كلمتان بينهما حرف عطف.. ليست المسألة "دَش" مجموعة معلومات وكان الله بالسر عليماً.. بل هي أيضاً تعليم سلوكيات ومهارات حياتية وطرق تفكير سيمارسها الشخص طوال حياته ، ليس لسواد عيون الدرجة أو من أجل جمال منظر الكلية .. "التربية والتعليم" مسئولية مشتركة تقع على البيت والمدرسة بالأساس ثم المؤسسات المحيطة .. أكرر: مسئولية مشتركة .. عندما يتخلى عنها طرف تحدث مشكلة .. فما بالك عندما يتخلى عنها الطرفان معاً..
أعلم أن بعض من سيقرأ هذه السطور سيعتبرها فاصلاً من "الحنجوري" و "كلام الإنشا".. فقط أقترح على من يرون ذلك أن يفكروا في الموضوع بهدوء ويطبقوه على الواقع.. وأن ينسوا هذا الإرث الملعون الذي مردنا عليه كلنا عن طريق التعليم الرابسوماتيكي أن التفكير خارج المنهج .. جريمة..
عذراً للإطالة..