Sunday, September 26, 2010

الكتاب الخارجي : الجنازة حارة والميت كلب

ضعوا مواقفكم مع أو ضد الوزير على جنب ، ولنسأل أنفسنا سؤالاً واحداً : يعني إيه كتاب خارجي؟

إجابة العبد لله : هي تلك الكتب التي وعيت على الدنيا فوجدتها في السوق ، تماماً يوم سئل طفل "لمض" عن تاريخ زواج أبيه فقال " هوة عندنا من زمان".. وإلى الآن يبقى هدف وجودها الحقيقي لغزاً يستعصي على التفسير ، هل هي موجودة كمكمل للكتاب المدرسي ، أم كمنافس له ، أم كبديل له..

ومنذ أن وعيت على الدنيا وجدت القائمين على التعليم في بلادنا الحزينة رابسوماتيك ، يغسلون عقولنا أكثر بياضاً ، وفقاقيعهم ملء السمع والأبصار والأنوف ، وهم متعايشون مع تلك الكتب الخارجية مثلنا تماماً.. دون أن يكلف معظمهم خاطره بالسؤال عن الهدف من وجود كتاب يطابق ، أو يشبه ، أو ينافس الكتاب المدرسي الذي يتم الإنفاق عليه ، وطباعته ، و"تكليفه" من مالي ومالك..

حسب علمي أن تلك الكتب تم كتابتها من قبل موجهين سابقين في الوزارة على مدى السنوات الماضية ، وهي ، كما سبق الذكر "موجودة من زمان" .. وظل الرابسوماتيك يتفرجون عليها دون معرفة سر تفوقها - في فترة الثمانينيات ومطلع التسعينيات- على الكتاب المدرسي الحكومي ، وحين ظنوا أنهم عرفوا ظهر الفشحاط العجيب أبو زمبلك المسمى بـ"نماذج الوزارة" ، وهو مجموعة من الأسئلة السخيفة تم تجميعها وتسويقها لنا على أنها تحمل شفرة الامتحان التي لا تقل في تعقيدها عن شفرة قناة الجزيرة الرياضية..

وحينما ظهر رابسو آخر استشعر بعض الحرج لكونه قد عرف- أخييييراً يا وديييييع- أن تلك الكتب هي المادة الخام لصناع الدروس الخصوصية ، فقرر وقف ترخيصها لبعض الوقت ، كي يتسق ذلك مع تصريحات معاليه التقليدية عن "المعلمين الشرفاء" و"مافيا الدروس الخصوصية" ، ثم تراجع على طريقة "خلاص حتنزل المرة دي" - وكل مرة أشوفك فيها- كما لم يكن قد قال شيئاً..

والمذهل أنه لا الجمهور - المستسلم - ولا الرابسوماتيك -المطنش- فقط من يتفرج على فيلم الكتاب الخارجي الهابط ، الصحافة أيضاً ، بكل مخزونها من الشعارات عن المال العام والمصلحة العامة والوطن العام ، وبكل الإكليشيهات الهابطة المستخدمة لنفخ دور الصحفيين في المجتمع على طريقة نفخ شفاة "هيفاء وهبي" ، ظلت تتفرج ، ولا تنكر ، ولا تستنكر ، ولا تسأل ، ولا تتساءل.. وبالتالي خرج الرابسوماتيك السابقون أبرياء براءة "مانويل جوزيه" من هزيمة "عرابي" في "التل الكبير" ..

وتروحي يا أيام ، وتعالي يا أيام ، ويذوي الكتاب الخارجي ، ويلحق بمطربي التسعينيات ، وتظهر المذكرات ، التي تعد أكثر تركيزاً وأكثر مواءمة لذوق طالب الدروس الخصوصية من الكتاب الخارجي "اللي راحت عليه".. ولم يعد للكتاب الخارجي أهمية تذكر .. إلا -هو الآخر - كمادة ينقل منها حيتان الدروس الخصوصية ، كوبي وبيست ، لعمل مذكراتهم التي تباع بالشيء الفلاني ، في "المراكز التعليمية" ..

استغربوا كيف شئتم كيف انتبه الوزير الحالي لمسألة الكتاب الخارجي ، لكني أسألكم عن سر انتباه وانتفاض الصحافة - الشريفة العفيفة - دفاعاً عن "المرحوم" الكتاب الخارجي المأسوف على شبابه الغض ، ومشياً في جنازته ، وتدليلاً على أهميته ، وهم من قالوا من قبل في عهد الرابسو السابق أن الكتب الخارجية أضر على التعليم من السجائر على الرئتين والقلب وتسبب العته المغولي..

أهلاً بأن تمثل الصحافة دور الغيور على المال العام والمصلحة العامة والوطن العام والدوري العام ، أقله كي تصدق ولو لبعض الوقت نفسها وتجعلنا نصدقها ، لكن أن يكون الأمر تصفية حسابات مع وزير دون آخر ، ويتحول مقياس فساد أو صلاح سياسات التعليم إلى مدى "وزن دم" هذا المسئول أو ذاك على قلوب الصحفيين ، ويصبح الصالح العام مختصراً في علاقته بالصحفيين ، فلن تجد شخصاً عنده دم يقبله..

أتمنى أن يبحث لنا الصحفيون عن جنازة بها ميت "عدل" كي نمشي فيها ، وأن يتذكروا أنه لولا "طرمختهم" على ضعف الدولة أمام سرقة الكتاب المدرسي لما وصل ضعف الدولة إلى مستوى أهل الجميع - من سائقي الميكروباص والتاكسي والتوك توك إلى "أحمد بهجت" وشركاه - إلى التعفير على ذقنها.. وقديما قال من كان قبلنا : أول الرقص حنجلة..بس خلاص..

Sunday, July 11, 2010

صعبان عليا


"وانت يا عاطف.. صعبان عليا".. -أحمد زكي"- مش "بدر" -في مسرحية "العيال كبرت"..

لماذا أنا "زعلان" لرئيس تحرير ما يسمى بجريدة "الجمهورية"؟ ربما لأنه قد مرد منذ وطئت أقدامه عالم الصحافة على أن الثانوية الغامة هي مولد وسبوبة عالية جداً لـ"الجمهورية" دوناً عن بقية الصحف المصرية ، مولد في متابعة أخبارها ، وتصريحاتها ، وفي ملاحقها التي لا تخرج أسئلة الامتحان - بقدرة قادر- عنها .. والتي تبقى لغزاً يضاف إلى ألغاز التعليم المصري ككل .. ومقابل هذه الامتيازات عتاة الرابسوماتيك هم ملائكة على الأرض ، لا يخطئون ، ويخطئ الخطأ إن عرف لهم طريقاً ، وكل سياساتهم الفاشلة التي دفعت أجيال من المصريين ثمنها حقيقة لا تقبل النقاش ، وكل من يناقشها فهو (....)و (....) وخائن وعبيط لدولة أجنبية ..الخ..

إلى أن فوجئ الرجل بالعالم يتغير من حوله..وهو على قمة الهرم الصحفي في إحدى أكبر المؤسسات الصحفية المصرية..

هل لأنه قرر الدخول في خلاف ما مع الوزراء ، لأسباب منها الطيب ومنها الشرس ومنها القبيح ، حسنو النية يتحدثون عن الصالح العام ، والخبثاء يتحدثون عن خلافات ، والأشرار آخر حاجة يتحدثون عن انتفاخ في الذات يتسبب في الدخول في حروب مع أكثر التخناء تخناً .. رغم العلاقة الوثيقة والممتازة التي (كانت)تربط رؤساء الصحف الحكومية الحزب-وطنية بالوزراء ، ورغم هامش حسن الجوار المفترض بين أي صحفي كبير وأي مسئول مهما كانت درجة الخلافات بينهما.. وليكن له في أستاذه "سمير رجب" من الدروس والعظات ما يكون..وكم من تلميذ لا يكون وفياً لتقاليد أستاذه..

حقيقةً لم يدخل الرجل وحده في معركة مع الوزير ، بل كانت كل صحف المال السياسي والمعارضة معه ، لكن أسباب الأخيرين تبقى أوجه ، فصحف المعارضة في أي بلد توجد به معارضة تهتم بإلحاق أكبر ضرر سياسي وإعلامي بالحكومة بأي شكل ، وستذكرنا من حين لآخر بأن الوزير الحالي هو ابن وزير الداخلية الأشهر في فترة الثمانينات "زكي بدر" ، وصحف المال السياسي تصعد وتهبط في علاقاتها بأولي الطول في البلد بحسب مصالح مموليها ، وهذا أمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء هذه الأيام، أما "الجمهورية" بالعنية -ودوناً عن قريناتها من مؤسسات الصحافة "القومية"-فهي ذات وضع خاص ، وعلاقة خاصة جداً مع منصب "وزير التربية والتعليم" تبقى الثانوية "الغامة" -لا تستحق إلا أن تكتب هكذا- إحدى بروتوكولاته..

لأسباب سبق ذكرها ، ولأسباب لم أذكرها ، ولأسباب نعرفها ، ولأسباب تعرفونها ولا أعرفها كانت "الجمهورية" وأخواتها هي البادئ ، تسليط الأضواء على أي اعتصام في الوزارة ، تسليط الأضواء على أي قرار لا يعجب حكام الوزارة الفعليين خلال السنوات السابقة ، من كبار موظفين لهفوا على قلوبهم ملياراً من الجنيهات قرر الوزير - لسبب أو لآخر - إيقافها .. استفز ذلك الوزير فوضع قيوداً على الصحفيين الذين يقومون بتغطية امتحانات الثانوية العامة ومن بينهم صحفيي الجمهورية ، فقامت الجريدة بـ"تعلية الفولت" إلى ما يفوق الجهد المنزلي والتحمل البشري بمانشيتات الامتحانات ، فذهب الوزير إلى نقابة الصحفيين وانتقد وبعنف وبتهكم - حسب صحف- ما وصفه بـ"مانشيتات اللطم والعويل" التي حفلت بها تلك الصحف إبان تغطيتها لامتحانات الثانوية العامة..وإبان حوار المراقبين الذين توفوا بسبب الحر وسوء الرعاية الصحية رغم وفاة ضعف العدد سنة 1996 دون أن تكتب الصحف حرفاً واحداً فيهم.. كما لو كانوا من فصيلة الشمبانزي..

ويبدو أن ما زاد الأمور سوءاً لـ"الجمهورية" ليست صعوبة الامتحانات بقدر ما جاء بعضها خارج "الملاحق".. فلم تجد الجمهورية شيئاً إلا أن تتباهى بضرب الجرس ، كما فعل "سعيد صالح" في "العيال كبرت" وهو يصف "العلقة" التي تعرض لها في أول الفصل الثالث .. وكتبت:

وتكون الجمهورية في مقدمة الصحف المصرية التي حققت نجاحا باهرا في تغطية اخبار نتيجة الثانوية العامة بكل تميز رغم الحصار الأمني والنفسي الذي مارسه قيادات الوزارة علي كافة أعمال الامتحانات ثم التصحيح والنتائج. !!

لست مع الوزير ، ولست ضده ، ونصف موسم لا يكفي للحكم عليه جماهيرياً ، وبقدر ما لمست حزناً من أولياء أمور على صعوبة الامتحانات بقدر ما لمست استحساناً من آخرين لديهم بصيص من الأمل في دخول أبنائهم للكليات التي ابتدعت "الجمهورية" وأخواتها وصفها بكليات "القمة" ، وكان في عهود من طبلت لهم الصحافة من قبل من رابع المستحيلات دخولها بالمائة في المائة مجموع ، وبقدر ما لمست من ارتياح في الشارع لقراراته ضد الجنرالات الذين أصبحوا أحدث رموز الشر في المجتمع المصري عن جدارة واستحقاق .. أبطال الغش الجماعي في الثمانينات والموسم قبل الماضي وسدنة الفساد والاستعلاء على رجل الشارع وإهانته..

التعليم يا سادتي الكرام ليس سياسات يضعها وزير في غرفة مغلقة كما كان يحدث في عصور الرابسوماتيك السابقين، الذين كانوا يفرحون بإسناد ملف التعليم إليهم "لوكشة واحدة" دون العمل مع الوزارات المعنية بذلك ، فيسندونه بدورهم للجنرالات ليتفرغ للتصريحات والـ"هووو" و الـ"هييي"و"الـ"عاااا" .. سياسات التعليم تحتاج لتعاون ومشاركة من الجميع بمن فيهم الصحافة في توفير المقترحات والأفكار ، وصنع حالة من التفكير العام في شأن هو شأننا جميعاً ،وإظهار السلبيات وتعزيز الإيجابيات ومحاربة الفساد في العملية التعليمية ، لا بالطبطبة عليه والتحالف معه ..

وإذا كان الرابسوماتيك السابقون أجرموا في حق مصر وأبنائها والتعليم فيها ، فإن لهم شركاء آخرون لا يقلون جرماً ، من سكتوا عليهم ونافقوهم لوجود المصلحة ، والتماسيح الصغيرة الذين ربوهم في الوزارة ليتحولوا وقت زوال المصلحة إلى حملان وديعة ووعاظ في مسائل الشرف..

مبروك لمن نجح بمجموع ، ولمن نجح بلا مجموع ، وحتى لمن يوفق ، كثيرون هم من نجحوا في تغيير حياتهم للأفضل حتى ولو لم تنصفهم الثانوية الغامة ، ومبروك على جريدة "الجمهورية" الجرس الذي ضربته فضحكنا في زمن عز فيه الضحك ..

Monday, July 05, 2010

واللي فات ننساه..ننسى كل أساه!

ما هو الخطأ في أن يتضمن امتحان الرياضة في الإعدادية أو الثانوية العامة سؤالاً له علاقة بجدول الضرب ، أو بالقسمة المطولة (التي كانت دلالة على "عبقرية" الطفل في ثمانينيات القرن الماضي)؟ ما هو الخطأ في أن يلعب سؤال في مادة ما على معلومة درسها الشخص في مرحلة دراسية سابقة؟ مش عارف..

ربما كان الرد الطبيعي بعد كل واقعة هو "ما خدناهاش في المقرر".. المقرر يتضمن كذا وكذا وليس كيت وكيت.. بما أن تنتهي السنة تنتهي علاقتنا بكل ما درسناه فيها ، واللي فات ننساه .. ننسى كل أساه.. وروح يا مقرر وتعالى يا مقرر..

هذا الرد ليس جزءاً فقط من فهمنا العجيب للتعليم ، بل هو جزء من ثقافة بلد بأكمله ، كونها من تجارب وممارسات على مر السنوات ، فأي مسئول ، وبالذات الرابسوماتيك ، بمجرد تركه للمنصب يتم التجاوز عن جميع أخطائه وخطاياه دون حساب أو سؤال إلا في يوم القيامة بفهم خاطئ لعبارة "عفا الله عما سلف" ..والذي جعل خطايا الرابسوماتيك وغيرهم تمحى بمجرد تركهم لكراسيهم ، قادر على محو جدول الضرب وحروف الهجاء ورفع الفاعل ونصب المفعول ، وهي كلها معارف بدائية "شاذجة" من العار والشنار أن يتم حساب الطالب عليها..

يمكن محو كل ذلك في حالة واحدة ، إن لم تكن ستستخدمه إطلاقاً في حياتك بعد الدراسة.. إن لم تحتج لاستخدام جدول الضرب في عملية حسابية وأنت "شحط كبير" .. إن لم تحتج لمعرفة ما إذا كانت الكلمة التي ستكتبها مرفوعة أم منصوبة .. إن..إن..إن.. وكلنا نعرف أن ذلك مستحيل..

على مدى أربع سنوات تناولنا -صراحةً وضمناً- حالة عدم الجدية تجاه التعليم من صناعه وواضعي ومنفذي سياساته ، لكن المشكلة الحقيقية أن تلك الآفة موجودة لدينا ، كطلبة ، وكأولياء أمور ، وكأشخاص عاديين ، وربما انتقلت بالفعل - بكل أسف- إلى صحفيين وأعضاء مجالس نيابية يبحثون عن جنازة يستعرضون فيها قوة خدودهم التي لا تحمر من كثرة اللطم .. ويتباكون في جرائدهم وفي خطبهم الرنانة على التعليم الذي لا يؤهل طالبه لقيام بعملية ضرب أو قسمة .. التعليم الذي لم يفعلوا شيئاً لإصلاحه .. ولا لتغيير معتقدنا الأزلي بأن التعليم شهادة فحسب وبأن فترة صلاحية ما نتعلمه كل عام لا تتجاوز العام!..
* شكر خاص جداً للزميلة العزيزة "زمان الوصل" مصدر فكرة هذه التدوينة..

Friday, April 30, 2010

مدارس محترمة

إذا كنت في مصر فاعلم أن كثيراً من الأشياء تستخدم في أي غرض كان إلا الغرض الذي يفترض أن تكون قد صممت خصيصاً من أجله.. وستكتشف كم ينطبق ما ذكرت على المدرسة .. افتح فقط أي برنامج حواري يعرج على سبيل فك الزهق على شئون التعليم في مصر ستجده يتحدث عن نظافة المدرسة وجولات السيد الوزير واعتصامات المعلمين و..و..إلا التعليم..

يوجد مثل إنجليزي شهير جداً يقول : no news..good news..أي أنه طالما لم نسمع عن مشكلة هنا أو هناك فالأمور مية مية مثل فراخ الجمعية .. لن أسأل هنا عن المدارس التي تحتل أماكن على صدر صفحات الصحف الأولى لصحف المال السياسي بقلقها وقلاقلها.. بل على الذين تسير الأمور لديهم على ما يرام..بالبلدي : الناس اللي في المدارس الهادية الطيبة الحلوة اللي بتسمع الكلام بتتعلم إيه؟

1-أهم شيء يمكن أن تتعلمه في المدارس المصرية حالياً هو الاحتكام إلى قانون الشارع.. وللشارع كما لا يريد الكثيرون أن يعلموا قانون به عدد كبير من المواد والقيم التي تولي مكانة رفيعة لاستخدام "الدراع" في الحصول على أي حق ، أو باطل حتى ، وفي الانصياع لإرادة الأغلبية أياً كانت ، وفي التشلل - الانضواء تحت لواء أي شلة أياً كانت داخل محيط الفصل أو المدرسة أو ..أو..والسبب أن الدنيا لا تعترف عادةً لا بالضعيف ولا بالمؤدب.. وليس فيها مكان لأي منهما..

وأهم قيمة على الإطلاق هو قيمة "الاحترام" بمعناها الشوارعي .. كما لخصتها لعبة GTA في نسختها الثانية : Respect is everything..تقعد باحترامك مطيع طيب كميل حتبقى فترة الأوبرج بالنسبة لك نعيماً مقيماً.. غير كدة يا حلو تستاهل كل اللي حيجرالك..والاحترام طبعاً طبقاً لقانون الشارع غير المكتوب يكون للأقوى .. أياً كان سنه ، وحجم قوته.. والاحترام يمكن وصفه بأنه عملية إبدالية وليس تبادلية.. أي يمكن للطالب أن يفرض احترامه على زميله ، أو على مدرسه ، ويمكن للمدرس أو للناظر أن يفرض احترامه على الطلاب ، أو على المدرسين.. لكن لا يمكن لأي من هؤلاء أن يحترم بعضهم بعضاً..إلا من رحم ربي..

2-الشيء الثاني الذي ستتعلمه حتماً هو اللغة .. بعيداً عن اللغات التي يعلمها لك منهج التعليم الرابسوماتيكي .. فإنك ستتعلم لغة أخرى جديدة كانوا يقولون لنا في البيوت أنها والعياذ بالله "قلة أدب".. وستكتشف تدريجياً أن تلك اللغة "البذيئة" هي الوسيلة الأمثل للتواصل مع العالم المحيط ، وتؤدي نفس وظائف "اللغة التقليدية" بشكل أفضل وأكثر دقة.. وتملك قوة تعبيرية ومرونة فائقة في استخدامها.. قبل دخولي الثانوي لم يدر بأقصى خيالاتي شراً أن أسمع أناساً يمزحون مع بعضهم بسباب الدين والأم.. وإذا كان هناك من قال في وقت سابق بأن "الرجولة أدب".. فيرد عليه بالقول بأن الدنيا حالياً صارت لـ(الـ....)!

وقلة الأدب داخل المدارس المحترمة أشبه بعلاقة البيضة والدجاجة في تحليلها.. فلا تعرف من الذي بدأ بقلة الأدب أولاً.. ولأن البادئ أظلم فلا تعرف من هو الظالم من المظلوم..

قد يتهمني البعض بالتحامل ، وقد يتهمني بأنني أتحدث عن خبرتي أنا عن المدارس .. لكن مما أسمعه وأعايشه لم تختلف الأمور كثيراً ، بل صارت أكثر سوءاً.. ولكنه ليس هذا النوع من السوء الذي يستلزم أن يكتب عنه في مقال صحفي أو يهز مراسل برنامج توك شو طوله من أجل تسليط الضوء عليه .. ويبدو أن هناك "راحة مجتمعية" وليس فقط "راحة إدارية" للإبقاء على هذه الأمور كما هي (عيش عيشة أهلك ..حتنهب؟ كل الناس كدة وكل العالم من حواليك كدة)..

ثم تقوم الدنيا ولا تقعد عندما تخرج الأمور عن قيد السيطرة ، لتتحول إلى خبر هنا أو فضيحة هناك.. إما أن تكون فضيحة مسخسخة يصعب على أي شخص السكوت عنها أو عليها ..وإما أن تكون فضيحة مُصَنَّعة قصدها تسليط الضوء على تجاوز يحدث في مكان ما لمجرد أنه يحدث في المكان الما رغم حدوثه في كل مكان.. كإنه هنا عيب وهناك عادي.. فاهمين طبعاً..وطبعاً نمصمص الشفاة على حال التعليم زمااان.. وترى شاباً هنا أو هناك يصغرني بعشر سنوات على الأقل يتحدث عن التعليم في الأربعينات والخمسينات والستينات (اللي ما لحقاش ولا أنا لحقتها) وأيام "رفاعة الطهطاوي" (الله يرحمك يا طهطاوي.. ويخليك لينا يا "زكي جمعة")..

هذه هي معايير "الاحترام" لدينا.. هل تتوقعون أن يتغير التعليم إذا كانت معايير "الاحترام" لدينا ، ولدى صناع القرار على حد سواء معايير غير محترمة أصلاً؟

Sunday, April 25, 2010

محافظة المنصورة

إحدى أطرف الطرائف التي يتبادلها الدقهلاويون أمثالي هذه الأيام سقطة غريبة للبريمادونا التي لا تعرف أن في مصر شيئاً اسمه "محافظة الدقهلية".. واصفةً إياها بالاسم الذي تعرفه "محافظة المنصورة".. فما كان من أحد قراء الصحف إلا أن أرسل لبريد صحيفة ما تصحيحاً لهذا الخطأ المضحك المهين*..

قد أقبل هذا الخطأ من مراسل أجنبي لا يعرف العربية بالمرة ، ويمكن لأي طفل صغير استغفاله واشتغاله ، أو من شخص مثل "أندرو ميتشل" الطاهي الكندي من أصول مصرية الذي يظهر مع "دارين الخطيب" على قناة "فتافيت" ،ويتحدث هو الآخر عربية مضروبة بالنار .. لكن من الصعب أن أقبله من أي إعلامي مصري ، خاصةً من يعمل في المجال الخبري ويفترض به أن يعرف الحد الأدنى من المعلومات عن دولته.. إن كان صحفيو "الحزبوطني" يتهكمون على "البرادعي" قائلين أنه لا يعرف أسماء المحافظات في مصر ، فماذا سيقولون إذا كان في مصر إعلاميون داخل الصحف المسماة بالقومية وصحف المال السياسي لا يعرفون أسماء بعض المحافظات ولا عواصمها!

الواقع الأمر أن نسبة من خريجي التعليم الرابسوماتيكي لا يعرفون فعلاً الشيء الكثير عن محافظات مصر ولا عددها ، وربما إن ذهبنا إلى الشارع ودردشنا مع كثير منهم وسألناهم عن المحافظات المجاورة لمحافظتهم فسنستمع إلى فضائح مضحكة.. والأنكى أني سألت أحدهم قبل سنوات فقال لي وببرود : "وأنا حيهمني إيه لو أعرف اسم محافظتي إيه ولا المحافظة اللي جنبي"؟

يذهلني هذا التنحيس الفكري ، والاستخفاف الشديد بمعرفة معلومة هامة "قد" تنفع الشخص وقد يحتاج لها أمر الحاجة ، تنحيس تختفي معه حمرة الخجل عندما يسأله شخص سؤالاً تافهاً عن مدينة أو قرية بجانب مدينته أو قريته فلا يجد إجابة.. يذهلني وجود أشخاص يرفضون التعلم ويرفضون العلم ولو من باب العلم بالشيء..قلة اهتمام.. قلة انتماء .. شعور فاضح بتضخم الأنا وعيش دور "عم الكومندا المهم بالقوي".. الله أعلم..

صدقوني.. لن يجد هؤلاء أي إجابة مقنعة عن هذا السؤال : لماذا يعرف الأمريكي أسماء ولايات بلده الخمسين ، بينما يعجز بعض المصريين عن تسميع أسماء المحافظات التي درسوها في مناهج تعليمهم وامتحنوا فيها وتقدموا في تعليمهم سنة بحفظها غيباً؟..تذكروا.. كل هذا الكلام عن أسماء المحافظات المصرية.. لم أطمع حتى في الحد الأدنى من المعرفة العامة بالشخصيات المصرية أو حتى بالتاريخ المصري!

أتمنى من هؤلاء -إعلاميين وعامة ناس- ألا يثيروا غضبي بمصمصة الشفاة على حال بلد لا يعرفون عنه أي شيء .. وأتمنى من القائمين على التعليم ، ومن يهمهم أمره ، أن يفكروا في إيجاد حل يجعل الطلاب الحاليين - اللي يمكن توسيع مداركهم بعد الفشل مع السابقين- أكثر اهتماماً بمعرفة بلادهم.. لا لرزع معلومات في امتحان يتم الاستغناء عنها بعده .. ولكن كشيء يشبه مهارة القراءة والكتابة تبقى مع المواطن حتى وفاته..وسمعني سلام : ماشربتش من نيلها! :(
* نشرت ويكيبيديا أن "منى الشاذلي" أصلاً من "ميت غمر".. لو فرضنا صحة المعلومة فسيصبح الخبر مسخرةً مضاعفة.. وإن كانت معلوماتي تؤكد أن معظم الشاذليين منايفة ، ويقال أن هناك صلة قرابة مع البرلماني الحزبوطني المخضرم جداً "كمال الشاذلي"..والله أعلم..

Tuesday, April 20, 2010

ليه السما زرقا؟

في الصغر يعد هذا السؤال سؤالاً غرضه البلاغي الاستفهام.. وفي الكبر يعد سؤالاً غرضه البلاغي الاستنكار.. وفي كلتا الحالتين ستجد ألفاً ممن ينكرون عليك هذا السؤال..

ففي طفولتك .. أول ما تسمع هو عبارة "لما تكبر حأبقى أقول لك".. بعد أن يبدي قائل العبارة الأخيرة امتعاضه من مستوى اللماضة المرتفع الذي وصل له أطفال هذه الأيام .. رغم أن الأطفال منذ الأزل يسألون أسئلة كهذه .. وفي شبابك وربما في هرمك تسمع- بعد قهقهات السخرية المعتادة - فاصلاً من التساؤلات والتعليقات التهكمية التي تستغرب من أن إنساناً طبيعياً مكتمل القوى العقلية يسأل عن شيء بديهي .. فكل الناس منذ خلق الله الأرض وأرسل آدم عليه السلام من الجنة إليها ترى السماء زرقاء ، لم تراها يوماً ما خضراء أو فوشيا مثلاً..وبالتالي فإن زرقة السماء أمر مسلم به ولا يجدي -من وجهة نظر المتهكمين طبعاً- السؤال عن سببه فهو لا يهمك .. ولا استنكاره فاستنكارك لن يفعل شيئاً بها..(وبعدين زراق السما عاملك إيه يا فالح؟..عيل سيسي بصحيح)!

زرقة السماء أحد نواميس الكون التي وضعها الله عز وجل، وصاغها كما صاغ كل شيء بتوازن علمي فائق الإحكام ، وبحسابات معجزة الدقة .. وعن نفسي أرى أن منظر زرقة السماء يعجبني .. وبالتالي ليست لدي حاجة عقلية ولا فكرية لتغيير لون السماء إلى اللون التيريكيواز.. وليست هي موضوع هذه التدوينة في ذاتها.. لكن الموضوع الحقيقي هو أن هناك آلاف الأشياء جعلت منها عقولنا نواميس كونية لا يجدي السؤال عنها أو مجرد التفكير فيها..

مثال بسيط..لن أسأل عن السبب الذي ترى من أجله عادةً أبناء أساتذة الجامعات أساتذة جامعات ، صحيح أن كثيراً من الناس يعامل الموضوع معاملة زرقة السماء (هوة انت حتصلح الكون) .. لكن ما يعنيني أكثر هو لماذا يصبح الطالب المتفوق أستاذاً جامعياً بحكم تفوقه العلمي فقط ، حتى ولو كان عاجزاً عن توصيل أي معلومة لـ"النِمَر"- باعتبار أن الطلاب في النظام التعليمي المصري هم مجرد أرقام وليسوا بشراً- الذين يدرسون تحت يده .. إلى أن وصلنا بحمد الذي لا يحمد على مكروه سواه إلى الدرجة التي نجد فيها مستوى أي من هؤلاء مساوياً لمستوى ابن الدكتور أستاذ الجامعة بشهادة الميلاد (واللي مالوش فيها)؟ أليس لتوصيل المعلومة أصول؟ أم أنه في الجامعات التي يتعلم فيها الطلبة أصول التفكير العلمي يتم التعامل مع الأمر بكل هليهلية وهلهلة؟

غيره.. لماذا بعد أربع عشرة سنة من إطلاق سراحي من التعليم الثانوي إلى الجامعة بقي كتاب اللغة الفرنسية على حاله كما هو بلا تغيير؟ هل ذلك انعكاس لحالة السليق والحريق التي يعيشها التعليم المصري منذ ما قبل ولادتي بقليل.. إما أن يتم الإبطاء في تغيير المناهج بسرعة السلحفاة أو أن يتم تغييرها بشكل دوري بسرعة الصاروخ؟ أم أن الجهابذة لا يرون ضرورة واضحة لتغيير المنهج الذي "حمض" وانتهت صلاحيته؟ أم أن الفرنسيين الذين اتفقنا معهم على الموضوع عملوا لنا عملاً سفلياً؟

لماذا أشعر أن هذه المناهج ليست موجهة لتعليم مصريين لغة أجنبية قدر ما هي موجهة أحياناً لتعليم الأجانب؟.. فمناهج تعليم اللغات تريني أشياءً كثيرة عن حياة الأجانب وليس عن حياتي باللغة الأجنبية.. كما لو كنت جالساً في مدرسة في أوروبا و"لابس البرنيطة" قائلاً "تشتري كالب" كما في إكليشيهات الأجانب في الدراما المصرية؟ والأغرب: لماذا أرى روحاً سياحية هفهافة على تلك المناهج وأسئلة امتحاناتها ، ويجد الطالب نفسه مطالباً بأن يحدث صديقه الفرنسي (دايماً فرنساوي بما إن فرنسا هي الدولة الوحيدة بالصلاة ع النبي اللي بتتكلم فرنساوي) في اللغة الفرنسية عن أبو الهول والأهرامات وخلافه؟ الغريب أن تلك ، بالإضافة إلى الصحراء والجمل ، هي معلومات شريحة كبيرة جداً من الأجانب عن مصر..خصوصاً الأجانب الذين لا يزورون شرم الشيخ :)

هل لكثرة عدد الطلاب في الفصول كل هذا التأثير المتوحش على التعليم في مصر؟ هل تعوق (وحدها) عملية إعداد المعلم بشكل طبيعي؟ أم هي حجة البليد؟ هل لو قل عدد الطلبة في الفصول أو في السكاشن سيتحسن مستوى التعليم؟ ولاهو مجرد كلام والسلام؟

لماذا يطبع مدرسو الدروس الخصوصية مذكرات متشابهة لدرجة التطابق في المواد التي يدرسونها من برة برة؟ ولماذا يقبل الطلاب وأولياء الأمور عليها وهم يعرفون ذلك تماماً؟ ولماذا توافق الوزارة حتى الآن على طباعة الكتب الخارجية وهي تعلم جيداً جداً أنها نسخ كربونية من كتاب الوزارة الحكومي؟

السماء تعجبني زرقاء.. لكن ما سبق لا يدخل عقلي ولا أقبله ..ومن حقي أن أسأل عن سبب وجوده وأن أستنكره وأرفضه ولا أقبله .. فهو "ضاد جيم" إن لم يكن "ضاد ضاد" بالنسبة لي كمواطن حتى ولو كان بالنسبة لآخرين من نواميس الكون يُقَابَل السؤال عنها وفيها بكل هذا الكم من الاستغراب والاستنكار..

Friday, April 16, 2010

زيارة السيد الوزير

جاء رافعاً سيفه هذه المرة..

لدى الكثيرين منا حساسية عارمة ضد السيوف ، وقد لا يجدون مبرراً واحداً لما فعله إبان زيارته لمدرسة "عمر بن الخطاب" .. ثم لمدرسة الخلفاء الراشدين.. بما قاله من ألفاظ أساءت الكثيرين (سيلي الحديث عنها لاحقاً) ومعاقبته لمدرسين وإداريين بالمدرسة سالفة الذكر.. ثم تراجعه عن معاقبتهم تحت ضغط وإرهاب صحافة المال السياسي والحزبوطني المتحالفة مع عضو نافذ بأمانة الحزبوطني.. بل ووصول الأمر إلى صرف "مكافأة" شهر للعاملين بالمدرسة!

ولكن..

1-ولكني أرى أن جزءاً كبيراً من عنف ردود الأفعال مرجعه شخص الوزير .. لا أكثر ولا أقل.. وكان حرياً بالأقلام التي انتقدته أن تنتقده على شيء يستحق الانتقاد بحق وحقيق ، مثل مسارعته بعد فترة قصيرة جداً من توليه بإعلانه عن "تعديل" في نظام الثانوية العامة.. غير مستفيد من الجرائم التي وقعت في عهد وزراء سابقين يطبل لهم كتبة الأعمدة حتى تتورم أياديهم..تخيلوا أنني لم أر عموداً أو قلماً واحداً تناول ذلك الموضوع بالمرة!

لا ينسى أحد للوزير السابق تاريخه في جامعة "عين شمس".. فقط تخيلوا أن أي شخص .. "عبده زكي جمعة" مثلاً كان الوزير .. وأن "زكي جمعة" لم يكن وزيراً ولا خفيراً..

2-أول حجة استند لها المهاجمون هي الألفاظ التي استعملها السيد الوزير أمام الكاميرات ووسائل الإعلام والتي استخدمها ضد "قدوات" و "مربين أفاضل" بحسب ما ورد في حلقة برنامج "منى الشاذلي" وقتئذ .. المذهل أن تلك اللغة ،وأسوأ منها ، تعلمناها في المدارس على يد هؤلاء القدوات وعلى يد هؤلاء الطلاب .. من ألفاظ بسيطة إلى شتائم مركبة بالأب والأم والعائلة والدين..ما هو الفرق بين الشتيمة أمام الكاميرا والشتيمة من ورائها إذن؟

3-نعم كتبت في وقت سابق منتقداً الزيارات إياها ..ولا زلت على قناعتي .. وبالذات تلك التي يتم فيها "تستيف" كل شيء أمام الوزير والرأي العام .. مقاعد نظيفة يتم استقدامها قبل الزيارة ببضع ساعات ، وتنظيف للمدرسة النظيفة المنتجة المش عارف إيه ، وأجهزة كمبيوتر على أعلى مستوى يتم استعارتها من أقرب سايبر ، وذلك بناء على إشارة من "العصفورة" التي تتواجد دائماً في مكتب مسئول كبير في مكتب هذا الوزير أو ذاك ، ترسل رسالة نصية سريعة إلى إدارة المدرسة من عينة "خبي ديلك يا عصفور انتو اللي عليكو الدور" ..والكاميرا تصور .. والوزير "هههههههه" وكان الله بالسر عليماً..

تخيلوا لو كانت الزيارة المشار إليها تمت في غير وجود الميديا - وهذا ما أتمناه عن نفسي - كان سيعجب ذلك الميديا؟ عن نفسي كان ذلك سيعجبني جداً ، وستعجبني أكثر العقوبات التي أراها مستحقة جداً جداً..

4-فمشكلة الكثيرين من المنتقدين أنهم جالسون على مقاعد وثيرة في مكتب مكيف في قمة برج عاجي ، ولا يعرفون ولا يجربون الجبروت التي يتسم به الموظفون الإداريون في عدة وزارات بينها التربية والتعليم نفسها.. وهم ينافسون موظفي وإداريي المستشفيات في التعامل مع البسطاء كجنرالات حرب مع أسرى جيوش الأعداء ، لا تهمهم آدمية الشخص البسيط ، ولا يأبهون للنظام ولا للقانون ولا للتعليمات التي هي شيء شبه مقدس في الثقافة البيروقراطية المصرية .. "مش عاجبك اخبط راسك في الحيط وخلي الوزير واللي فوق الوزير ينفعك".. فقط أكرر ما قلته عنهم بالحرف الواحد في التدوينة السابقة:

حتى "يسري الجمل" .. كان وزير التعليم أشبه بالوالي "العثماللي" .. شخص ظريف لطيف يأتي إلى مصر بفرمان من الباب العالي ، ليقضي وقتاً ما يعلم بيه إلا ربنا مع المماليك .. ومشكلة المماليك أنهم أقدم في مصر ، ويعرفون عنها الشاردة والواردة ، بعكس الحبظلم الذي لا يعرف سوى "حظرتنا" و "أفانظيم" وغيرها من إكليشيهات الأتراك في الدراما المصرية.. وبالتالي بدأ الأمر بـ"عمل شغل" مع الباشا التركي طوال فترة إقامته في المحروسة ، وانتهى إلى "عمل شوربة" على الباشا التركي حتى وصل الأمر إلى إزاحته تماماً كما فعل ذات يوم "علي بك الكبير"..

وعليه.. فإن أبسط شيء يفعله المواطن العادي الذي يتعرض لتلك الأشياء أن يتقدم بشكوى إلى "المستوى الأعلى" سواء وكيل وزارة أو الوزير نفسه .. وحتى من أسعده الحظ بعدم الوقوع في مواجهات مع الجنرالات الصغار ، فإنه يشاهد يومياً مشاهد وصوراً وملفات في الصحف والفضائيات عن مهازل يندى لها كل جبين خجلاً .. كتلك التي سجلها برنامج "القاهرة اليوم" في إحدى المدارس في سيناء.. في مكان ناءٍ لا تصل إليه أبصار قادة الرأي العام الجالسين على "لاب توب" وبجانبهم "شفشق" الكابوتشينو!

لا أعتقد أن أي وزير - رابسو كان أم غيره - سيقبل على نفسه أن يتحول إلى "شوربة ونقنقة" ماركة "أندرو ودارين" .. ومن حقه أن يرى فيمن يفترض بهم تنفيذ سياساته - صحيحة كانت أم خاطئة- طاعة ورغبة في "سماع الكلام" -حتى ولو كان "أي كلام"- لا أن يعاملوه معاملة المماليك للحبظلم..

إذن .. أرى - من واقع أسلوب تعامل هؤلاء مع عامة الناس عديمي الظهر والواسطة والاتصالات ، ومن واقع تعاملهم مع كل الرابسوهات السابقين -أنهم يستحقون تماماً ما فُعِل بِهِم بالحرف الواحد..فأي وزير قد يضع سياسات مضحكة للتعليم ونظامه ، لكن هؤلاء هم من يدير لعبة الغش الجماعي والفساد التعليمي على أرض الواقع..أي وزير قد يصدر تعليمات غبية عن المدرسة النظيفة الممنتجة المؤدبة .. أما هؤلاء فكما تقول العبارة الحوارية في مسلسل "ريا وسكينة" : "ماشيين بكيفهم" ..اللي بنشوفه وبنكتب عليه بقالنا أربع سنين..وتيجي تكلمهم : "من كام سنة وأنا مسنود مسنود .. بالبيه (=الصحفي) والباشا (=عضو الحزب و/أو البرلمان) أنا كدة فري جود"..

ومحدش- بالله عليكم- يكلمني عن الإمكانيات والمرتبات وبلح الأمهات.. فمن هؤلاء أيضاً من فشل في دول الجاز .. التي تدفع مرتبات تفوق مرتباتهم .. وهناك "يمشون على العجين ما يلخبطهوش" لأنه بجانب الجزرة توجد عصا كبيرة وغليييييظة آخر حاجة..

5-أقدر تماماً وأحترم ما نشره الزميل العزيز "د. سيد مختار" نقلاً عن الكاتب الصحفي "أكرم القصاص" بشأن الزيارة.. لكني أختلف معه في فكرة أن المسألة مسألة نظام ومناهج فحسب .. المسألة لها محورين .. محور أول يعتمد بالفعل على النظام والمناهج وإدارة العملية التعليمية .. والمحور الثاني لا يغفل أن وزارة التربية والتعليم كيان حكومي .. وأن هذه السياسات لن ينفذها الوزير بيديه .. بل هناك جيش من الموظفين سيقوم بتنفيذها على أرض الواقع .. وأن الإدارة هرم .. وأن الوزير -حيا الله- في مكان مرتفع نسبياً على ذلك الهرم ، بينما قاعدة وأساس الهرم هي في الأسفل .. وأنه لسنوات طويلة نجح وكلاء الوزارات بالتعاون مع "آخرين" سبق ذكرهم في حبس كل رابسو على كرسيه ، وفي جعله يعشقه ويموت فيه ، فيخرج على الناس من مكتبه المكيف ليخبرهم عن "إصلاحات" مزعومة وتطويرات موهومة ويطلب من الناس "مشاركته المجتمعية" في تطبيقها دون أن يأمر موظفيه بذلك..ثم يقوم بعمل مؤتمر قومي لتطوير المحروسة الننوسة الكبنوسة الثانوية السامة.. تاركاً "اللي يحصل يحصل" في "دعم الكتاب المدرسي" وعلقة الموت التي يحصل عليها المأسوف على شبابه الغض بعلم كبار وصغار مسئولي الوزارة .. علماً بأن كل شيء سيتم نسيانه وطيه في دولاب الكتمان عندما يتم تطبيق نظرية "خد الفلوس واسكت" ..

باختصار .. لست مع ألفاظ السيد الوزير .. ولا كاميرات السيد الوزير .. لكني ضد الجنرالات الصغار بكل ما أوتيت من قوة ، همة واللي يتشدد لهم ومن يصنع منهم أبطالاً على جثث البسطاء والغلابة.. وسيتغير موقفي ضد الرجل تماماً إن استسلم لهؤلاء وللأقلام التي تدعمهم و"طلقهم" علينا كما فعل سابقوه.. فالمماليك شركاء الرابسوهات في قتل القتيل.. ويمشون معهم جنباً إلى جنب في جنازته.. عذراً للإطالة وآسف على الغيبة ودمتم جميعاً بألف خير..

Wednesday, January 06, 2010

سقوط نظرية "كوكو الضعيف"!

رحل رابسو .. وجاء آخر..

لكن ربما في الطريقة التي جاء بها الوجه الجديد بارقة أمل ، محاولة لإصلاح الماكينة من الداخل ، أخفقت أو نجحت ليس ذلك الموضوع ، فعلينا أن نحمد العلي القدير على أن هناك من فطن أخيراً لأن العطب الحقيقي يكمن في قلب الماكينة ، وليس فيما يُدْخَل إليها أو يخرج منها.. احنا كنا فين يا شيخ!

حتى "يسري الجمل" .. كان وزير التعليم أشبه بالوالي "العثماللي" .. شخص ظريف لطيف يأتي إلى مصر بفرمان من الباب العالي ، ليقضي وقتاً ما يعلم بيه إلا ربنا مع المماليك .. ومشكلة المماليك أنهم أقدم في مصر ، ويعرفون عنها الشاردة والواردة ، بعكس الحبظلم الذي لا يعرف سوى "حظرتنا" و "أفانظيم" وغيرها من إكليشيهات الأتراك في الدراما المصرية.. وبالتالي بدأ الأمر بـ"عمل شغل" مع الباشا التركي طوال فترة إقامته في المحروسة ، وانتهى إلى "عمل شوربة" على الباشا التركي حتى وصل الأمر إلى إزاحته تماماً كما فعل ذات يوم "علي بك الكبير"..

حتى "يسري الجمل" ، بل في عهد الرجل ، لم يكن الوزير سوى "باشا".. "باشا" مصري وليس تركياً ، مع الإسقاط الذي لازم العبارة بعد غياب شمس الألقاب ، يجلس "زي الباشا" ، ويتكلم "زي الباشا" ، لا يفعل شيئاً يذكر ، سوى تصريحات هنا وهناك ، وحديث عن "تجربة الإسكندرية" التي أقحمها في موقع الوزارة ، وأصبحت شيئاً شبيهاً بنياشين "أحمد مظهر" في "الأيدي الناعمة".. مع الفرق أن الأمير وصل به الأمر إلى بيع نياشينه بشكل مباشر لكي يتعيش منها قبيل نهاية الفيلم.. أما مماليك الوزارة فكانوا يفعلون كل شيء .. بل وصل فرق القوة بين المماليك والباشا إلى درجة تقترب من ذلك الذي كان بين "علي بك الكبير" والباشا التركي الذي نسي التاريخ اسمه..فذاكرة التاريخ تحتفظ فقط بأسماء الأسود .. ولم نسمع أن خلد التاريخ يوماً أرنوباً إلا الأرنب الصغير المرافق لـ"أليس" في رائعة "لويس كارول"!

هناك الكثير من التحفظات على شخص الوزير القادم والذي أتى من عالم الجامعات كسابقيه ، رئيساً هذه المرة ، ومثل تلك التحفظات ما أثارته جريدة "الدستور" قبل كتابة هذه التدوينة بيوم.. ومنها تاريخه في قمع المظاهرات والتصدي للاعتصامات و..و .. و ... الخ.. لكن ربما كانت نظرة من اختاروه ببساطة الحاجة إلى أي شخص "قوي" يخبر المماليك في الوزارة بأن كوكو الضعيف قد مات .. وسيأتي مكانه شخص آخر .. مخيف .. عنيف.. يا لطيف.. يعيد ميزان القوى إلى نصابه الذي كان عليه في يوم لم نره وربما لم يره آباؤنا من قبل..

هل سينجح الرجل الجديد فيما فشل فيه سابقوه ويحاول تطوير التعليم في مصر بحق وحقيق؟ أم أن الهدف في هذه المرحلة هو إسقاط نظرية "كوكو الضعيف" ، حتى يأتي بعد الرجل الجديد وزير يطور التعليم .. "على نضيف"؟..

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً .. ويأتيك بالأنباء ما لم تزود.. والله أعلى وأعلم..