Tuesday, November 25, 2008

البيت والمدرسة : عزومة المراكبية

سأقطع مؤقتاً سلسلة ملاحظاتي عن المساخر التي تحتويها مناهج لغتنا الأم .. والسبب هو تدوينة أكثر من مهمة لزميلنا "هاني" .. لا تكمن أهميتها في الطرح فقط بل أيضاً في تعليقات الزوار عليها.. والتي نكأت جروحاً علينا أن نواجهها لأن "وجع ساعة ولا كل ساعة"..

هل "البتاع" الذي نتحدث ويتحدثون عن تطويره في المؤتمرات و"قعدات" الصالونات وبرامج الفضائيات هو "تعليم" أم "تربية وتعليم"؟ لماذا نتعامل وتتعامل الوزارات مع "التربية والتعليم" كأمرين منفصلين؟

هل لدينا ولدى الوزارة -بمعنى آخر- بأن للبيت دوره في التربية ، وأيضاً التعليم ، مثل ما للمدرسة؟ هل كل منهما يمارس دوره؟

في جلساتنا الخاصة .. نقعد "رجل على رجل" ونقول بكل ثقة : "العبرة بالبيت يا جماعة .. المدرسة ما لهاش أي دور .. دورها تعلم الولاد وبس.. أما التربية .. القيييييم.. المثلللللل.. الأخلاااااااق.. فمصدرها البيت"..

أغلب من يقولون هذا الكلام هم من ينفض يديه من تربية أولاده ، تاركاً الموضوع لمؤسسات المجتمع المحيط - ومن بينها المدرسة- لتشكيل ابنه أو ابنته وهو الذي كان بالأمس القريب لا يقيم أي وزن لأهميتها في تجهيز الابن أو الابنة للحياة..

أما المدرسة التي هي عمود النظرية الرابسوماتيكية الجملية فهي ترى أن مهمتها التعليم فقط.. (صحيح اسمنا "وزارة التربية والتعليم" بس احنا بنركز في التعليم بس وسايبين التربية للبيت) ..

هكذا بدا الموضوع.. كل طرف يترك للطرف الآخر مسئولية التربية.. تماماً عزومة المراكبية "اتفضل .. لا انت الأول .. ميصحش.. ميصحش.. حلفتك بالله انت الأول.. عليا الطلاق ....الخ)..

منطق العزومة سالف الذكر قد يكون ذا علاقة بالثقافة البيروقراطية .. حيث أن أغلب مجتمعنا بيروقراطي مع تناقص عدد المشتغلين بأنشطة أخرى كالزراعة مثلاً (حتى عمال المصانع الحكومية محسوبون قانوناً على فئة الموظفين) .. وحتى غير البيروقراط التقطوا العدوى بدورهم .. والبيروقراطية المصرية تشربت "اللامبالاة" حتى في أخص خصوصيات حياتها.. تنشئة الطالب صارت عملاً روتينياً مملاً بالنسبة لجل أولياء الأمور تماماً كالأعمال التي يكسبون منها عيشهم.. "عملت الواجب يا حبيبي؟ اغسل إيدك قبل الأكل وبعديه.. واشرب اللبن علشان تكبر".. أما في المدرسة فالأمر ألعن.. "اشرب المنهج علشان تجيب مجموع"..عن نفسي اكتشفت كطالب سابق أن نجاح المدرسة -بدون مبالغة-يكمن في أن يحصل الطالب على أعلى مجموع حتى ولو لم يحضر حصة واحدة طوال العام كما في التعليم الثانوي.. وأما في المراحل السابقة وأيضاً في الثانوي فالشعار معروف :لا تفكر فالمنهج يفكر لك .. لا تطبق فالتطبيق رفاهية .. لا تكن مملاً كثير السؤال.. "انت مش حتفهم أحسن من كتاب الوزارة"..

"التربية والتعليم" كلمة واحدة في رأيي وليست كلمتان بينهما حرف عطف.. ليست المسألة "دَش" مجموعة معلومات وكان الله بالسر عليماً.. بل هي أيضاً تعليم سلوكيات ومهارات حياتية وطرق تفكير سيمارسها الشخص طوال حياته ، ليس لسواد عيون الدرجة أو من أجل جمال منظر الكلية .. "التربية والتعليم" مسئولية مشتركة تقع على البيت والمدرسة بالأساس ثم المؤسسات المحيطة .. أكرر: مسئولية مشتركة .. عندما يتخلى عنها طرف تحدث مشكلة .. فما بالك عندما يتخلى عنها الطرفان معاً..

أعلم أن بعض من سيقرأ هذه السطور سيعتبرها فاصلاً من "الحنجوري" و "كلام الإنشا".. فقط أقترح على من يرون ذلك أن يفكروا في الموضوع بهدوء ويطبقوه على الواقع.. وأن ينسوا هذا الإرث الملعون الذي مردنا عليه كلنا عن طريق التعليم الرابسوماتيكي أن التفكير خارج المنهج .. جريمة..

عذراً للإطالة..

Friday, November 14, 2008

في العربي وامتحاناته : كتاب القراءة يا عين

1-لا تصدقوا ما يقوله الأشرار عن أن التعليم الرابسوماتيكي والعياذ بالله يحتقر اللغة العربية .. لقد خصص لها أربع كتب دفعة واحدة .. وربما يخصص لها في ظل نظريات الدكتور الجمل كتاباً خامساً ليصبح من الممكن دب الخمسة في عين العدو.. كتاب للقراءة وكتاب للنحو وكتاب للنصوص والأدب والبلاغة وكتاب رابع للقصة..

لا مشكل في ذلك .. المشكلة كما أراها أن تصبح اللغة كلها مقيدة بهذه الكتب .. أنا عن نفسي أشعر أن الكتب الأربع مثلها مثل جدران الزنزانة تحبس الطالب بينها فلا يتحرك.. وعندما يخرج الطالب من التعليم الرابسوماتيكي يطلقها بالثلاثة..

نعم نحن لا نتكلم الفصحى ، ولا توجد دولة عربية تتكلم الفصحى بين أفرادها .. لكننا بطريقة أو بأخرى سنستخدم تلك اللغة في كتاباتنا ومعاملاتنا وفي قراءاتنا ، وهي كلها أبعد من كتاب بل ومن عدة كتب .. تدريس اللغة العربية صار مملوكاً مسخراً لخدمة الكتاب المدرسي الذي هو المحك الأساسي للطالب (زيه زي الدوري العام كدة للمنتخب زي ما رؤساء الاتحادات بيقولوا.. بلا وكسة) .. فيما عدا ذلك لا تخرج عن الكتاب يا أخ علي.. لا تناقش مع الطلبة يا أخ علي .. لا تدعهم يتمرنون على قراءة اللغة وتذوقها يا أخ علي.. اتركهم يكرهونها يا أخ علي..

2-لماذا كتاب للقراءة؟

في الإنجليزية و كذلك في الفرنسية (التي مناهجها وامتحاناتها تحريض سافر على البلادة) هناك مواضيع للقراءة غرضها واضح .. إثراء الحصيلة اللغوية بأكبر كم من التعبيرات .. ولكل قطعة "نحوها" و "كلماتها" و "تمارينها" و"تراكيبها".. في الإنجليزية تحديداً -وهذه ميزة- لا ترى أي سؤال حفظ سمج عن تلك المواضيع في الامتحان.. وترى في المقابل قطعة .. مجرد قطعة تختبر قدرة الطالب- أو هكذا يفترض- على القراءة والفهم .. قطعة صغيرة يقابلها في العربية كتاب كامل.. يُطلَب من الطالب ضمناً أن يحفظه من أجل "كر" الإجابات بطريقة ميتريلوزية في ورقة الإجابة..

3-على أي أسس تختار مواضيع القراءة؟

مش عارف..

ولأن الإعلام والنخبة ومن يسمون أنفسهم مفكرين ومثقفين يستسخفون السؤال عن تلك السخافات تحولت بقوة الاستمرار إلى تابوهات لا يجوز السؤال عنها أو التعقيب عليها أو الشكوى منها..

عن نفسي .. ومن متابعتي المتواضعة لبعض تلك الكتب أجد نوعاً من عدم المواءمة بين تلك المواضيع وسن الطلاب على سبيل المثال.. شيء كدة يشبه الفن والإعلام الموجه.. افتح بقك يا حبيبي علشان تاخد الدوا- عفواً الموضوع-همممم يا جمل! :( دواء يعطى للطالب بجرعات محدودة كي "لا" "يدمنه"!

4-حساسية مؤلفي كتب القراءة من دمج الأدب في القراءة تفوق حساسية بعض المسخفين من تدريس القرآن الكريم في مناهج اللغة العربية (رغم أنه لولا القرآن ما بقيت اللغة حية إلى الآن) .. من الصعب أن تجد مقتطفات من قصة قصيرة لـ"نجيب محفوظ" أو "يوسف إدريس" في كتاب القراءة .. ولكن من الممكن أن تجدها بسهولة في كتاب "النصوص" .. ليه .. ماعرفش!.. كدة حنحفظ وكدة حنحفظ.. ما ينعفش نقرا ونحفظ أو حتى نقرا الكلام دة؟ لأ.. دة أدب يا مشاغب والأدب فضلوه عن اللحمة بس ما يهوبش ناحية كتاب القراءة!

كأنك يجب أن تقرأ لكي تحفظ..

ليس من المستحيل الحصول على مقتطفات مبسطة من هنا وهناك تناسب أعمار الطلبة.. لكن تقول لمين؟

5-والقاعدة في كتابة مواضيع كتب القراءة هي أن تحاول قدر الاستطاعة أن تكون مدرسياً قدر المستطاع .. قطع مصطنعة في بعض الأحيان كقطع أسئلة النحو.. ولأنها "مدرسية" فلا يجب التزويغ خارجها مثلها مثل المدرسة تماماً ولا يجب مناقشتها في الأسئلة (حيث أن فيها وجهة نظر واضعها الملزمة تماماً للطالب) .. ولا "يحبذ" التدريب على استخدام تراكيبها إذ أنه في مناهج اللغة العربية لا تدرس أساليب ولا تراكيب.. لتصبح في النهاية قطعاً لا تصلح للتذوق ولا حتى للقزقزة .. بل هي "قطع بلع" كما يقول التعبير الدارج.. واضعو تلك القطع والمناهج والمناهج الأخرى هم من جعلوا كلمة "مدرسي" سيئة السمعة.. لأنهم ربطوها بالمباشرة والجفاف والصرامة لا بالتذوق والحس والفهم والتعلم..

وعن باقي الموضوعات إن أحيانا الله لي كلام.. ذكروني به إن نسيت..

Tuesday, November 11, 2008

تجربة الـ.. إسكندرية

الزن على الودان أمر من السحر ، وحتى البلطجة أيضاً ، ونحن كعامة الشيعب إن كنا نردد أشياءاً عن غير فهم فإن هناك من يلقنها لنا.. ولسوء حظ هذا الجيل من المصريين فإنه عاش مُلَقَّناً طوال حياته.. من التعليم الرابسوماتيكي إلى أرزقية النضال السياسي إلى محترفي البحث عن الزعامة الدينية إلى -طبعاً-"بعضهم" في وسائل الإعلام.. عن نفسي أرى أن رزالة زن الأخيرين تكمن في أنها من الممكن أن تلقنك معلومات عن شيء تعتقد تماماً أنه حقيقة ملموسة في حين أنك لا تراه بحواسك ولا تدرك وجوده بعقلك..

من هؤلاء "دكتور" أكاديمي هو ضيف شديد الثقل على إحدى فضائيات المال السياسي القبيح ، وكاتب أحياناً في إحدى صحف الحزبوطني ، هذا الرجل مكشوف عنه الإسدال بطريقة رهيبة ، لدرجة أنه أفتى وهو في مكانه ذات مرة أن مياه الشرب في سنة من السنوات في "المنصورة" لم تكن ملوثة بالمرة .. دون أن يسأل بجدية .. ولو أنه سأل شخصاً من هذه المدينة لعرف أن المياه لم تكن مسممة ولكن بعض خواصها الفيزيقية قد تغيرت (قبل أن يتم إصلاح هذا الخلل بعدها بفترة قصيرة جداً).. لو سأل لحصل على وصف دقيق للمشكلة بدلاً من محاولة إقناع أهل المنصورة بأن ما يشعرون به ويذوقونه بألسنتهم هو تهيسؤات في تهيسؤات.. عالم اجتماع محترم يتصرف بغوغائية وجهالة ..

نفس ما سبق أشم رائحته في "تجربة الإسكندرية" .. قد يكون حدسي في محله أو أكون قد تأثرت بنزلة برد خريفية..

من الغريب أنني عرفت عن تلك "التجربة" من صحيفة "معارضة" هي صحيفة "الأهالي" اليسارية التي قادت حملة التلميع لجناب سيادته قبل هبوطه على الكرسي الرابسوماتيكي ، ثم تم تخزيق أعيننا بتلك التجربة الرائدة بطبيعة الحال على موقع الوزارة..

اقرأوا هذا الكلام على موقع الوزارة ، أو على موقع جريدة الأهالي إن عثرتم على الرابط الذي أجد صعوبة في ملاحقته .. وستجدون صورة وردية وبراقة لفصول "يقل" عدد طلابها ، ولأداء تعليمي "يرتفع" لمدرسيها ، ولإشادة دولية من اليونسكو ، وربما الفيفا.. بمبي بمبي بمبي بمببببببي مع الاعتذار لـ"سعاد حسني"..

طالما الأمور بمبي بهذا الشكل .. فلماذا رأيناها "بلاك" في حادثة المدرس الذي ضرب طفلاً حتى الموت .. في الإسكندرية أيضاً؟

لم أسمع عن شخص عادي من عامة الشعب ، أعرفه أم لا ، تحدث يوماً بالخير أو بالشر عن تجربة الإسكندرية ، حاولت أن أسأل بعض أصدقاء النت من السكندريين ولم أجد إجابة تطمئنني كمواطن مصري على نجاح التجربة أو فشلها أو وجودها أصلاً من عدمه..الأمر الذي يضعني أمام احتمالين.. إما أن المدرس الفاضل قد شذ عن الخط الرابسوماتيكي القائم على المشاركة المجتمعية وتطوير العملية وإخراجها من النملية ، أو أن المدرس يعمل في مدرسة لم تُشمَل بعناية التجربة السكندرية!

دعوتي قائمة لزملائي وزواري السكندريين لأن يحدثوني عن التجربة ، إن وجدت.. وعن تفسير منطقي لواقعة "حسام" في ظل التجربة السكندرية.. هم أهل الدار وأدرى بشعابها من ألف موظف وألف صحفي وألف إعلامي..