Sunday, November 25, 2007

أعلى مستوى!

مائة عام تمر على إنشاء جامعة القاهرة .. وعلى هامش هذه الاحتفالية يحلو للعديد من قادتها التذكير بأنها -تحت إدارتهم طبعاً- على "أعلى مستوى" .. بدليل أنها ضمن أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم .. والتصريح لرئيس الجامعة كما نشر بعدة وسائل إعلام..

وعبارة "أعلى مستوى" صارت تصيبني بالقرف ، فهي تطلق في كل قطاع تحدث فيه كارثة ، وصارت تستخدم اعتباطاً من قبل الفشلة والفاسدين واللصوص لإظهار أنفسهم بمظهر البطولة الزائفة .. ولم يعد يصدقها "عمياني" إلا السذج.. وعادة ترتبط بإكليشيهات مجاذيب الحسين من عينة "مصر مستهدفة" و "اتقوا الله في مصر"و "أيدي خبيثة" و...و....

سواء قالها مسئولو الجامعة صراحةً أو ضمناً ، المشكلة أعمق من ذلك .. فناهيك عن أن هذه الشهادة لأعرق الجامعات المصرية في العصر الحديث "فشنك"..لماذا يصر هؤلاء على استجداء أي شهادة من الخارج للتأكيد على جودة الخدمة الجامعية من عدمها؟

ربما لتذكيرنا أن الجامعة "على أعلى مستوى" .. وان احنا "اللي مبنعرفش نتعلم".. قد يكون النصف الأخير من العبارة صحيحاً بسبب معتقدات مجتمعية وجدت من يستفيد من إثرائها في الشارع وحتى في دوائر صنع القرار .. لكن من الصعب جداً في نفس الوقت أن أقتنع بنصف العبارة الأول..أبناء جامعة القاهرة يستطيعون توضيح تلك الجزئية بشكل أفضل مني بحكم كوني -حيالله- خريج لجامعة إقليمية تتبع الجامعة المصون!

يا فرحتي بجامعة تحتل ترتيباً متقدماً ضمن أحسن عشر جامعات في العالم (لو فرضنا) .. بينما تخرج إلى سوق العمل - كمثيلاتها في هذا البلد المسكين- آلافاً يضافون إلى طوابير العاطلين بسبب سوء التعليم والتأهيل والانشغال بانتخابات اتحاد الطلبة وانتخابات اتحاد الكرة وتسييس التعليم الجامعي وحزبوطنته..وتعيش في عزلة عن المجتمع المحيط لا تتناسب مع حجم النفقات التي تنفق عليها .. لا وإيه .. حالها يعتبر أفضل نسبياً من حال جامعات الأقاليم البعيدة عن عين الحكومة وعين العفريت حتى..

جلد الذات مرفوض ، وخداع الرأي العام مرفوض أيضاً وبشكل أشد.. وننتظر من هؤلاء ومن غيرهم فعل شيء يحرك المياه الراكدة ويجعل الناس تثق فيهم وفي تصريحاتهم قبل انتظار شهادة من هنا أو من هناك.. دمتم بألف خير..

Thursday, November 22, 2007

جدول "الضرب"

لكلمة "الضرب" عدة معان.. لكن في مصر لها معنى مميز يختلف عن أمثاله في كل بلد ينطق بلسان الضاد .. وهو التزييف.. فنقول : جواز سفر مضروب ، أي جواز سفر مزور وملعوب فيه..

والتعليم عندنا من أهم ساحات الضرب .. وكله طبعاً خاضع للفهلوة وفتح عينك تاكل ملبن وما إلى ذلك..

فضرب كتاب خارجي من أسهل ما يمكن .. كل ما عليك فعله هو تجميع عدد من أسئلة الامتحانات على مدى "السبعتاشر تمناشر" سنة الماضية ، بعد "كَبّ" كتاب الوزارة أو 90% منه .. وكان الله بالسر عليماً..ويدخل في ذلك أيضاً سبوبة الملاحق التعليمية في الصحف الحزبوطنية والمعارضة وربما المستقلة ..

وضرب مذكرات المدرسين أسهل بكثير.. إذ يمكن لأي مدرس عمل مذكرة متينة "مقلوظة" يبيعها بالشيء الفلاني عن طريق الضرب العشوائي لعدة كتب خارجية في الخلاط علقة موت!

وفي الجامعة لا تتوقف مسيرة الضرب المباركة ، فمسألة الملخصات تحولت إلى احتراف لدى بعض الطلبة والمعيدين وبعض الأسر الطلابية التي توفر لك خدمة المختصر المفيد من منهج الدكتور الفريد.. وقد صادفت منها ما صادفت بحكم المشاركة وبحكم العمل أيضاً.. ومع ظهور النت ظهرت موجة ضرب الأبحاث وكبها ، وكيف لا طالما أن رسائل الدكتوراة قد تتعرض هي الأخرى للضرب و"التمييز" .. فمن الطبيعي أن يرقص أهل البيت طالما أن ربة البيت فيفي عبده!

متى ستتوقف تلك "الشكلة" التي نعيش فيها؟

Saturday, November 17, 2007

المعلومات .. والمعلوم بالضرورة!

عبثية الإحصائيات في مصر تذكرني بهوجة أفلام المخدرات في الثمانينيات من القرن المنصرف ، حيث يعرف الجميع- باستثناء البوليس - أن "سيناً" من الناس يتاجر في "الصنف".. ما علينا..


لكي تتبعوا الخط إلى نهايته .. ستجدون أن السبب يعود إلى الطريقة التي يتم بها تدريس الإحصاء.. دعكم من الإحصاء في الثانوية السامة ، ففي تلك الشهادة الملعونة تكاد لا تشعر بوجودها (علماً بالقول المأثور لوردة "يوووووه يووووه هوة فيه حد النهاردة بيفتكر") حيث يمكن الحصول على درجات نهائية فيها بأقل مجهود ممكن وبمساعدة محدودة من المسيو حصص "قاهر الرياضيات بكافة أشكالها وجايب درفها"!


ستتعامل مع الإحصاء بشكل أكثر توسعاً بمجرد دخولك كلية التجارة ، وهي التي تصنف كإحدى كليات "قعر الحلة" .. أسوة بكليات الحقوق والعلوم والآداب والتربية والزراعة (الله يرحمها ويحسن إليها)..


وستستعيد حتماً في تلك الكلية كل الذكريات الكئيبة التي تولدت لديك قبل دخول الجامعة عن تدريس أي مادة رياضية ، فتدريس الرياضيات بكافة أشكالها في نظام التعليم المصري هو وسيلة فعالة من وسائل التعذيب طويل الأمد ، حيث "تسرح بخيالك" مع مجموعة من الأرقام والعلاقات المتراصة بلا هدف واضح أو ضرورة حياتية .. ومن الممكن أن ترى ذلك حتى في المواد التي لا تتمتع بطابع رياضي صرف كالمحاسبة مثلاً!


المفروض.. أكرر : المفروض.. أن الإحصاء مثل المحاسبة .. كلاهما يعتمد على إجراء عمليات على البيانات الأولية لتحويلها إلى معلومات ذات فائدة .. المحاسبة تتعامل مع أرقام العمليات التي تقوم بها المنشأة لتحولها لمعلومات تعين على معرفة مركزها المالي وآفاق توسعها ومجابهة التهديدات المالية التي تواجهها.. كذلك الإحصاء الذي يعتمد على تحليل ومعالجة البيانات الأولية من عمليات المسح والإحصائيات إلى معلومات مفيدة لصانعي القرار.. هذا الكلام نعرفه .. ولكنا لا نراه في الممارسة والتطبيق..


وذلك يذكرني بقصة درسناها في التعليم الرابسوماتيكي قبل سنوات ، عن أحمد بن طولون الذي ترك ابنه جائعاً للغاية ذات يوم ، ولما أحس جوعه أمر خَدَمه فأتوه بطعام متواضع فأكل منه الابن بكل ما أوتي من قوة ، ثم أمرهم بن طولون بعد فترة بإعطائه طعاماً من أكل علية القوم فصُدَّت شهية الابن عنه.. وخلاصة القصة أن التركيز على صغائر الأمور يلهي الإنسان عن أكثرها أهمية.. وفي حالتنا هذه كل التركيز يوجه التركيز كل التركيز للبيانات لا المعلومات ، للمسائل لا لموضوعها..


فلكي تنجح ، "بحلق" في الأرقام والعلاقات ، ثم احفظ ثم "كربس".. حتى تنهي فترة إقامتك في "الأوبرج" على خير.. كبَّر دماغك الليلة دي معاك أنا.. حتشتغل إيه يعني لما حتتخرج؟ محاسب والعياذ بالله ، ولا إحصائي لا سمح الله؟


في البداية كان العبث متعلقاً بفكرة أن الخريج سيضمن وظيفة في القطاع الحكومي، حيث تسري أعراف الجهاز البيروقراطي العفنة ومن بينها "اربط الحمار مطرح ما يقول لك صاحبه" وبالتالي ستترسخ اللامبالاة لديه أكثر وأكثر.. أما الآن فتضاعف العبث خاصةً بعد أن أصبحت كليات التجارة-وغيرها- تخرج ألوفاً "لا" يعملون في مجالات دراستهم الأصلية..


لا تسألوني بعد ذلك عن إحصائيات المركز القومي للكباب والكفتة من عينة 250 مليون حالة زواج عرفي في مصر في السنة ، فالكل "مكبر دماغه" ومديها "كوتشي قديم".. كم معلومة يعني بنت مستشفيات أو مدارس أو أسهمت في تنوير الرأي العام دون تهويل أو تهوين؟ كام معلومة وصلت صاحب المال لقرار صحيح بخصوص ماله؟


لا تسألوني عن "مجتمع المعلومات" .. العبارة التي انضمت إلى أخواتها في سجل الرطانات السمجة.. فمن المعلوم بالضرورة أنه لا قيمة للمعلومات لدينا.. ولا نعرف معلوماً إلا ذلك الذي في العبارة التاريخية "قب بالمعلوم".. وسيظل الحال لدينا هكذا ما لم يتدارك النظام التعليمي ، ونحن معه ، هذه المصيبة قبل أن يفوت الأوان مثل كل مرة..عذراً للإطالة..

Friday, November 09, 2007

الحالة اسباجيتي يا سادة!

لا أميل إلى الوصف "الغريب" الذي أطلقه لا فوض فوه السيد علي الدين هلال على مصر بقوله أنها "تشبه البالوظة في حالة رجرجة".. فهذه المصطلحات الغريبة لا تستغرب في الحزبوطني.. لكن يمكنني وصف الوضع الحالي بضمير مستريح أنه يشبه الاسباجيتي..

والاسباجيتي في مصطلحات قواعد البيانات تعني قاعدة البيانات سيئة التنظيم بشكل يجعلها متشابكة ومعقدة ويصعب إن لم يكن يستحيل السيطرة عليها..

صحيح أن هناك أولوية قد يراها البعض زائدة عن الحد تُعْطَى لفصل الدين عن السياسة سببها وجود قوة سياسية "ما" على أساس ديني ، ووجود تهليل لنماذج سياسية قائمة بالفعل على أساس ديني (حزب الله والنظام الإيراني على سبيل المثال).. إلا أنه يوجد داخل الاسباجيتي المصري ألف شيء يستحق "الفرز" و"التجنيب" كما يقول المصطلح القانوني الشهير..

ومن ضمن هذه الأشياء السياسة والتعليم..

التعليم هو خدمة ندفع ثمنها جميعاً .. الحزبوطني والإخواني واليساري واليميني والمستقل والمسلم والمسيحي .. هذه الخدمة يجب في رأيي ألا تسيس..

لمن يدافعون عن تسييس التعليم سواء في المناهج أو في حرية دخول الأحزاب السياسية داخل الجامعات .. أود توضيح نقطة بسيييطة جداً.. أنه منذ العهد الناصري وعداد التسييس في كل شيء في الطالع ، خصوصاً في الأشياء التي لا يصح ، أو لا يفضل ، أو لا يُحَبَذ ، أن تُسَيَّس مثل الفن والتعليم .. وسرعان ما طال هوس التسييس من كل جانب سواء من الجانب الحاكم أو من جانب التجمعات والجماعات المناوئة للجانب الحاكم النقابات المهنية والفنية والجمعيات الأهلية وسيشق طريقه -بكل أسف-قريباً إلى الاتحادات الرياضية والأندية الكبرى..

ماذا كانت النتيجة؟

هذا التسييس المقيت هو شريك للبيروقراطية السياسية في التخلف والتدني الذي وصلنا له.. أقول ذلك بنفس راحة الضمير الذي وصفت بها الحالة المصرية بأنها اسباجيتي..

مع احترامي لما قالته زميلتنا المميزة بيلا في تدوينتها الأخيرة.. أنا بكل قوتي مع عدم تسييس التعليم كله سواء ما قبل الجامعي أو الجامعي .. وأرى أنه على كل القوى السياسية الخروج من الحرم الجامعي وأولها الحزبوطني وتنظيماته السرية داخل الجامعة.. وإذا كانت هناك مساحة للتسييس والاستقطاب فلها أماكنها خارج الحياة العلمية والجامعية..فالسياسة حتى وإن كانت تمس حياتنا كلها فإن لها حجماً لا يجب أن تتجاوزه..والله تعالى أعلم..