Saturday, January 31, 2009

سي السيستم

لا يمكن أن أصدق أن العالم كله به سبع عجائب فقط بما أن هذا البلد به سبعين على الأقل.. البيروقراطية المصرية من أكثر الأشياء إثارةً للدهشة في مصر .. فمن البيروقراط حيتان للدروس الخصوصية ، وأصحاب مشاريع مالية وتجارية ضخمة ("صفاء أبو السعود" كانت إلى وقت قريب على قوة وزارة الثقافة في مصر!) ، ومع ذلك يتعاركون على "ملاطيش" الحكومة رغم أنهم ينفقون في اليوم الواحد أضعافها.. ونجد بعضاً آخر منهم يرتشي ، و"يهلب" من تحت الترابيزة ، ثم يتظاهر ويحتج ضد الفساد ، وبعضاً ثالثاً يتظاهر ضد رؤسائه ويحتج عليهم بحجة أنهم يسرقونه ، وهو يعلم أنهم كانوا يسرقونه طوال الوقت ، ويسكت لأنه كان يقتسم معهم ، فلما جد في الأمور أمور انقلب عليهم.. وكل ما سبق كوم.. والآتي بعد كوم مستقل بذاته..

النظام البيروقراطي قائم بشكل عام على "السمع والطاعة" والاحترام التام لـ"التعليمات" التي تستمد قوتها من "الأعلى" في السلم الوظيفي .. فـ"المدرس" يتقيد تماماً بتعليمات "الناظر" و "توجيه المادة".. و"الناظر" يتقيد بتعليمات سياسة "الإدارة التعليمية" .. و"مدير الإدارة" يتقيد بسياسات وأوامر من فوقه .. وهكذا..

ورغم رسوخ البيروقراطية الشديد في حياتنا إلا أنه تحت هذا التشدد الأعمى والتسابق في التزلف لـ"الأعلى" تتوحش الفوضى التي يسير فيها كل بيروقراطي على هواه.. من هؤلاء الفوضويين من تأخذه الجلالة ويتصرف بمزاج مزاجه .. ومنهم صنف أكثر استفزازاً يغلف ممارساته بالتواشيح البيروقراطية من عينة "في ظل تعليمات .. وتوجيهات .. الخ"..

في كتاب خارجي فوجئت بسلسلة من العجائب في نماذج أسئلة النحو في المرحلة الإعدادية تستعصي على فهم الإنسان العادي..تلك الأسئلة وردت في امتحانات الإعدادية بالمحافظات خلال عامي 2003 ، 2004.. ما الذي يجبر مدرس لغة عربية يفصل اثنين من "عبد الحميد دراز" على كتابة نفاقية فاقعة لمحافظ كان- وقتها- يشغل منصب محافظ إحدى محافظات الصعيد الجواني (قبل انتقاله إلى محافظة ساحلية كبرى).. يشيد فيها بالثورة التي قام بها سيادته في تجميل المدينة ، وإضفاء اللمسة الحضارية على عاصمتها؟

بلاش دي.. ما الذي يجبر آخر في محافظة بحراوية على تحويل أسئلة التعبير إلى مهرجان دعاية حزبوطني؟ وما الذي يجبر ثالث على أن يستغل ثالث قطعة النحو للهجوم على فيلم "مبروك أبو العلمين حمودة" ، والذي أشك - وبقوة- أنه شاهده أصلاً؟ هل يزعم الأولان أنهما يرضيان أسيادهما بتقديم خدمة لم يأمروهما بها؟ وهل يزعم الثالث أنه يدافع عن كرامة المعلم بهذا التصرف الجاهل والأحمق؟ وهل سيصدقه أحد عندما يعرف عن المثالين السابقين وأكثر؟ ..وماذا عن الذين حشروا قصة "أجريوم" في الامتحانات؟ ..أياً كان الجدل حول المشروع والذي لمسته بنفسي خلال زيارة عابرة لدمياط العام الماضي فلا يبرر ذلك بالمرة جعل الامتحانات مسرحاً لهذا الجدل بهذا الشكل المبتذل..

سيبكم من الأمثلة اللي فاتت.. ماذا عن مثال من هذا العام؟

من الذي أخبر هؤلاء أن هذا الـ($#%$#%) هو الأسلوب الأمثل لتقديم الخدمات المجانية لهذا وتلك؟ أضف إلى كل هذه الأسئلة سؤال رجل الشارع العادي الذي يسأله عندما يرى هذا القرف أو عندما يفاجأ بتقاليع أسئلة الامتحانات إياها : "اللي حاطط الامتحان دة مش له رؤساء؟ هوة ما بياخدش منهم تعليمات؟"..

لكن أين التعليمات؟

التعليمات تظهر فقط مع كاميرا التليفزيون وطلة الصحفي البهية .. فعندما تظهر الكاميرا ويطل الصحفي يتغزل البيه بتعليمات من فوقه أكثر من تغزل "عمر بن أبي ربيعة" بمن يحب.. وتظهر -أحياناً- في حالات معينة يكون غرضها "الشو" في برامج التوك شو الفاشلة وأيضاً لإرضاء "اللي فوق"- بطريقته الخخخخ..ـاصة..

هذه هي قمة العبقرية ، تشنج وتشدد وتشدق بالنظام من الواجهة ، وفوضى "مسخسخة" من الداخل بلا رقيب ولا حسيب.. وسلم لي على التعليم من أجل التغيير.. هؤلاء علمونا ، وسيعلمون أبناءنا أن يكونوا نسخاً طبق الأصل منهم.. ثم نتساءل وبراءة التماسيح في عينينا: يا مصري ليه دنياك لخابيط والغلب محيط.. والعنكبوت عشش ح الحيط وسرح ع الغيط؟- مع الاعتذار للشاعر الكبير "جمال بخيت"..

Friday, January 16, 2009

تعليم كليب

لدينا برلمان منبطح أقرب إلى مسارح القطاع الخاص ، وقت أن كان في بلادنا مسرح "مبتذل" للقطاع الخاص.. قبل أن ينقرض ذلك المسرح بمبتذله ومحترمه.. حدث ما أرادته الميديا الرسمية ، والتفت الرأي العام إلى مشهد "الجزمة" على حساب مشهد تمثيلي آخر أكثر ابتذالاً.. تمثيلية "الوطني الأوحد" التي يمثلها نواب الحزبوطني داخل البرلمان الذين يزعمون أنهم يستجوبون وزير التعليم فيما يخص التعليم!

لعبة "الأوحد" هي أحد الأسباب المباشرة لتخلفنا ، فكما أن التيار الديني يدعي أنه الوحيد المهتم بغزة ، والتيار القومي يدعي أنه الوحيد المهتم بدور مصر "القومي" و"العروبي"، واليسار يحتكر لنفسه العمال والفلاحين وإن كان ينافس الحزبوطنيين على احتكار الوطنية وربما الوطن .. وربما كانت تلك الاستجوابات التمثيلية في المسألة التعليمية محاولة مبتذلة لتوصيل رسالة مفادها "نحن نهتم بالداخل المصري ومستقبل مصر".. يا عيني..

1-تحدث رئيس الوزراء إلى هؤلاء النواب الذين كانوا متواجدين في المؤتمر العام للحزبوطني مطالباً إياهم بـ"تطوير التعليم".. وكان الوزير أمامهم في المؤتمر ، وبعد المؤتمر في مناقشات لجنة التعليم .. وكان من الممكن أن يواجهوه ويناقشوه في مسائل التعليم والنظام التعليمي المصري بعيداً عن أعين قناة "المحور" ومراسلي "المصري اليوم"-تلك الجريدة التي تسببت في شهرة النواب أكثر مما تسببت الإذاعة يوماً ما في شهرة المطربين- لكنهم اختاروا هذا التوقيت بالذات لتوصيل أكثر من رسالة .. منها أننا "وطنيون بالقوي يا احنا" ، وثانيها كي يعرف أبناء الدائرة الكرام "إن احنا عدم اللمؤاخذة ناس بتشتغل وبنحضر الجلسات" .. وبالمرة "إن احنا معارضين وفلة".. أضف إلى ذلك تحسين الصورة التي بان سوادها بسبب ما ينتشر في الشارع عن تورط عدد من السادة النواب في "مواويل" الغش الجماعي..

2-السؤال الذي قد يقفز إلى ذهن عامة الناس من أمثالي وأمثالك هو: حيقولوله إيه يعني؟ .. سؤال في محله .. واستنتاجي للإجابة المنطقية عنه هو عبارات من عينة : التعليم "وِحِش" يا معالي الوزير!

ممتاز .. أما وقد علمنا أنه كذلك.. على أي أساس؟ تذكروا أن هؤلاء "الأشخاص" صانعو قرار ، في حزبهم -إن جاز لنا تسميته كذلك- أو في مجلس الشعب ، ومن مهامهم ممارسة "الرقابة البرلمانية" على أعمال السادة الوزراء.. أي أن هؤلاء وبالذات أعضاء اللجان ينبغي عليهم أن يتابعوا أمور التعليم أكثر من الصحفي ، والمدوِّن ، والشخص العادي.. إن صح ما استنتجته .. فإن ما دار لا يعدو مجرد دردشة عادية "التعليم وحش ..ههههه" كما لو كان الحوار عن مباراة كرة قدم أو جلسة ودية على مصطبة .. وهذا سيساهم في نسف ثقة آحاد الناس في العملية السياسية برمتها..المؤسف أن حقيقة أخرى تعزز هذا الاستنتاج ، ألا وهي أن...

3-معظم نواب الحزبوطني في البرلمان نواب خدمات ، المدرسة الفلانية والمستشفى الفلاني وبيارة الصرف الصحي الفلانية وتأشيرة من هنا وتأشيرة من هناك .. نقاش عن السياسات وطرق تنفيذها وسوء إدارة العملية التعليمية "معرفكش".. قد يعزي البعض ذلك لضعف المستوى الثقافي لمعظم ممارسي السياسة في مصر بمن فيهم حملة رتب - عفواً: درجات- علمية .. وقد يعزي البعض ذلك أيضاً لأن هؤلاء منشغلون بأمور أخرى وليس لديهم "الوقت الكافي" لمتابعة الداخل المصري والذي يندرج تحت بنده كل ما يتصل بالتعليم.. إلا طبعاً ما يتصل بمصالحهم..

4-وبالتالي فإن "قضايا التعليم" لدى هؤلاء اختزلت في مسائل من عينة "الكادر الخاص" ، ونظام "الثانوية العامة" ، وبعض الأمور التي يمكن مناقشة وكلاء الوزارات في الأقاليم فيها بشكل أفضل بما أننا مقدمون على لا مركزية وكل سنة وانتم طيبين آخر حاجة..

عليه ، فما حدث من السادة نواب الحزبوطني لا يعدو مجرد مشهد تمثيلي أمام أعين الـ"Big Brother".. التمثيل الذي تمليه "المراقبة".. لا الرقابة.. كان على الحزبوطني أن يستعين بممثلين أكثر كفاءة بالذات عندما يمثلون ممارسة الرقابة على الوزراء ، والكلام عن التعليم..