Showing posts with label هراتيل. Show all posts
Showing posts with label هراتيل. Show all posts

Friday, November 09, 2012

الشوك الشوك .. والعنب العنب

أتوقع أن تثير هذه التدوينة حالة عارمة من الغضب لم تثرها تدوينة للعبد لله على المدونة الشقيقة "الدين والديناميت" عن قناة "الناس" ، لذا أطلب منكم قبل صب جام الغضب على شخصي المتواضع أن تفكروا في وجهة نظر كاتب هذه السطور والتي أراها أيضاً وجهة نظر شريحة لا يجب الاستهانة بها حسابياً على الأقل..


أولاً.. لنتفق ابتداءً على أن علاقة التعليم بالمجتمع أوسع مما نعتقد أو مما يريدنا البعض أن نعتقد ، التعليم في مصر يقدم الأطباء المصريين والمهندسين المصريين والمحامين المصريين والقضاة المصريين.. ثانياً.. لنتفق مرة أخرى - تاني معلش- على أن التعليم في مصر في العصر المباركي لم يكن صفاية موز وجنينة مانجة على رأي الراحل "نجيب الريحاني" ساخراً من الباشا "سليمان نجيب" في فيلم غزل البنات (1949) قبل أن يعرف هويته ، وأن سوء مستواه انعكس ، وينعكس ، بكل السلب على المستوى المهني لكل خرجه ، وفي هذه المدونة وفي غيرها لدى أصدقاء وزملاء انتقادات ونقد لكل ما حدث في تعليم المرحلة المباركية والذي لا نزال ندفع ثمنه إلى لحظة كتابة هذه السطور..


إذن من البديهي ، ومن عدم الاستعباط على الذات واشتغالها ، أن يتأثر المعلم المصري والطبيب المصري والمهندس المصري والمحامي المصري بكل ما تشربوه خلال فترتهم في سجن التعليم المصري ، فالتعليم المصري المباركي مثله مثل السجن ، يدخله المجرم صغيراً فيخرج منه محترفاً ، ليصبح جزءاً مما يحدث من فساد ومشاركاً وشريكاً فيه بدلاً من أن يتمرد عليه..


قبل أن تغضب ، أذكر نفسي وإياكم بما قاله أحد كبار أعمدة الطب في مصر عن أن كليات الطب في مصر تستقبل عدداً أكبر بكثير مما تستحق ، وأن تلك الكثرة العددية أكبر بمراحل من قدرة وإمكانيات الجامعات وتجهيزاتها ، وأضيف : وأكبر حتى مما يحتمله سوق العمالة في المجال الطبي ، حتى لو افترضنا أن هناك قصوراً في إمكانيات الجامعات ، العدد ضخم ، والسبب هو حسبة كليات القمة وكليات القاع التي تنفق من أجلها الأسر المصرية مبالغ قد تصل دون مبالغة إلى المليارات من الجنيهات من أجل الوصول لكلية من كليات القمة ومن أجل الخمسة عين التي يكتشف الخريج أنها خيال علمي ، خصوصاً لو كان من المغضوبين عليهم من أطباء وزارة الصحة الذين يكتفون بملاطيش الحكومة وليس من أبناء أساتذة الجامعة حماهم الله الله الله ولا من الدكاترة الذين يعملون في خمسين عيادة خاصة ويبقون على مطاردتهم لملاطيش الحكومة ويطالبون بزيادتها بينما لا يعطون إلا الوش الخشب للمريض غير القادر على الدفع..


وعن تأثير الكثرة العددية المبالغ فيها وغياب ما يسمى بالـ Merit system أحدثكم كتجاري سابق ، في زمن محاضرات الإنتاج الكثيف ، التي تستوعب من الحبايب ألفين في قاعة تعد من الأكبر على مستوى البلد ، أتحداك أن يصل مضمون المحاضرة لأكثر من عشرة بالمائة ، والعشرة كثير ، من عدد الحضور في محاضرات المواد التجارية ، وقس على ذلك ما يحدث في كليات القاع المغضوب عليها الأخرى بفعل مكتب التسييق حرقه الله في نار جهنم..


العدد كبير ، التعامل معه يتم بحماقة ، كمية من القيم السلبية يتشربها أي طالب ، وعلى رأسها علاقتك بالمعلم ، بكسر الميم ، أستاذ الجامعة ، قيل لي أن أتعامل مع أستاذ الجامعة كـ-أستغفر الله العظيم- نصف إله ، كلمته هي الحق المطلق ، يستطيع بجرة قلم أن يحول حياتك إلى جنة ، ويستطيع بجرة أخرى أن يحول حياتك إلى جحيم مقيم ، لا تفكر في إغضابه ، ولا في مناقشته ، ولا في سؤاله حتى ، واسأل الله أن يرضيه عنك وعن أفعالك علشان الأربع ولا الخمس سنين تمر على خير.. ويمكن ربنا يرضى عليك وتبقى معيد ، وتتحول إلى عسكري مراسلة عند السيد العميد ومن يناقشون رسالتك ، على نحو أسوأ مما كان عليه الحال في مسرحية "لينين الرملي" "سك على بناتك" ، ولا مانع من أن تفعل ما لم يفعله "أحمد راتب" بمناسبته للعميد ، ناسبنا الحكومة ، وبقينا قرايب ، على غرار ما فعله "عمر الشريف" في فيلم "بداية ونهاية".. لتدخل مجتمع الحلقة المقدسة على غرار مجتمع ما اعتقده الإغريق آلهة مثل فينوس وهيرا وأخيلوس وآخرين..


كن عسكري مراسلة للعميد وولاده ، قبل التخرج وبعده ، لا تقترب من أحد منهم فألف عين تقترب منك ، حتى لو سولت لأي من شذاذ الآفاق - (الجامعة مطروحاً منها أولاد الست) - الاقتراب من أي منهم .. حيشيل أوبح ..وأعنيها..


كلنا تخرجنا من الجامعة ، كنا شهوداً وشركاءً فيما حدث ، والبصمات اللي على الجثة وسلاح الجريمة مش بصمات حد غريب ، والحمد لله أنه يوجد في كل مهنة وطائفة من يدرك أنه شارك في الخطأ والخطيئة ولا تأخذه العزة بالاثم ولا يتصور نفسه ملاكاً في غابة تسكنها الوحوش وتعربد فيها الشياطين..


التعليم الطبي خرج مما خرج - لنعترف- أطباءً سيئين ، منهم من يهاجم ويحتج ويتظاهر في الشوارع ويهددنا بالإضراب ، التعليم القانوني خرج نسبة من المحامين علاقتها بالأخلاق كعلاقة الأرنب بالبيانو بإزي الصحة ، ومجموعة من المهندسين في بعضهم ما فيهم.. ومحاسبين لا يعرف كثير منهم عن مهنتهم التي لا يعرفها المجتمع نفسه أي شيء فيبحث عن مهنة أخرى في أي مكان آخر وليذهب شقا سنوات التعليم إلى الجحيم .. أما التعليم التعليمي فخرج لنا معلمين مِعَلَّمين ، وحش الكيمياء ، قاهر الفيزياء ، تشرشل الإنجليزي وميتران الفرنساوي..


ومن الطبيعي أن يتسبب الأطباء الفاشلين خريجي التعليم الفاشل في فضائح داخل وخارج البلاد ، مثل المحاسب الفاشل والمحامي الفاشل وكل فاشل ، والمصيبة أن الفاشلين يتقمصون دائماً دور الضحايا في كل مصيبة تحدث في مصر أو في دول الجاز أو في بلاد أونكل سام ..


أليس ذلك كافياً للمجتمع ، ولمنتسبي كل مهنة ، أن يثوروا ويطالبوا ، إلى جانب مطالبهم المشروعة ، بإصلاح التعليم الجامعي وقبل الجامعي في مصر ، كي لا تكون الجامعات مدرسة نتعلم فيها الوصولية والشللية وعبادة الفرد ومسح الجوخ ، أليس من الأولى لمن يطالب أن يرى إن كان هو نفسه على مستوى المسئولية فيطالب بنفس ، أو كان فاكساً فميسمعناش حنجوري على المسا ، إذا كان الله عز وجل لم يساوي بين من يعلم ولا يعلم ، فهل أساوي بين طبيب فاشل وطبيب ناجح ، أو مهندس فاهم ومهندس مالهوش فيها ، أليس من الأولى أن نتذكر أننا لسنا ملائكة بدلاً من أن نعامل مجتمعنا المحيط في الإضرابات وغيرها على أنهم شياطين؟


إنك لا تجني من الشوك الشوك .. العنب العنب.. مع الاعتذار للمبي اللمبي.. عذراً لحدة اللهجة..

Tuesday, October 04, 2011

في إضراب المعلمين : لماذا أقف كمواطن عادي في المنتصف؟

مع من أتعاطف؟


مع المعلم -بضم الميم الأولى-الذي "علم" تلاميذه و"علم" فيهم ، أم مع المعلم-بكسر الميم الأولى..برضه- الذي "علم" "على" تلاميذه؟ مع الذي علم تلميذه كيف يكون نزيهاً ومهذباً ومحترماً ، أم الذي علمه كيف يكون هبيشاً وشبيحاً ومصلحجياً؟ الذي ربى فيه موهبة ، أم الذي ربى له الخفيف؟


مع المعلم الذي تهابه وتحترمه لتواضعه ، أم مع المعلم الذي تهابه وتحترمه لعصاته وجزرته؟ مع المعلم الذي يقوم بدور هو مؤمن به ، أم مع المعلم الذي يعيش الدور ويمنه عليك كما لو كان "حسنة وأنا سيدك" ، ويحدثك كـ"بيه" من البهوات ، دة لو عرفت تكلمه أصلاً؟


مع المعلم "الغلبان" الذي يحصل على ملاليم لا تكفيه ، أم مع المعلم الذي ملايين العالم لا تكفيه؟ مع المعلم الكتكوت أم المعلم الحوت؟


مع المعلم الذي وجد نفسه ضحية لنظام التنسيق القذر الـ(*ا**) ، الذي قام بـ"كب" عدد كبير ممن لم يحصلوا على مجاميع تسكنهم في ما يسمى بـ"كليات القمة" إلى كليات التجارة والتربية والحقوق و..و..، وعليه وجد نفسه يعمل في مهنة لا يحبها ولا يطيقها ، ليعمل في فصل ضخم العدد ، وفي مدارس نظيفة مؤدبة محترمة منتجة وبنت ناس" كما كان الحكيم رابسو يصفها، وينهي الموسم مراقباً في امتحان الثانوية السامة في ظل ظروف مناخية صعبة إن لم تكن سيئة ، ثم تأتي الأوضاع المعيشية لتزيده - بالنسبة تحديداً لمن يدرسون المواد "الفقر"" اللي ما بتجيبش دروس- ضعفاً وانسحاقاً وقهراً ، أم مع المعلم الذي هو جزء لا يتجزأ من النظام التعليمي بأكمله ، بصمه ، وحفظه ، وقهره للطلبة جسدياً في أحيان وفكرياً في أحيان أخرى ، لدرجة تجعل من العجيب أن يخرج من الأجيال الحالية مثقفون وموهوبون في ظل تعليم كهذا ، تعليم "الكيلاس" و"البيكيتشر" و"الفايبريشن"؟


مع المعلم الذي يرفض أن "يلعب بديله"؟ أم مع المعلم الذي "يلعب بديله"؟ أم مع المعلم الذي يريد أن "يلعب بديله" بينما لم تسنح له الفرصة؟


عن نفسي قابلت الصنفين ، ولا يزالان موجودان ، والكل يتذمر ، من يقبض الملاليم ومن يقبض الملايين ، ومن حيتان الدروس الخصوصية من كان يفكر في ملاطيش الحكومة ، والتي كتب عنها كاتب هذه السطور منذ أربع سنوات وأربعة أشهر، ومرة أخرى بعدها بقليل..أيا كان مسمى تلك الملاطيش ، ولا تعرف من المحق ومن غير المحق ، الظالم تايه في الطيب وأهو مولد خلق الله- كما تقول الأغنية التي غناها "محمد منير" و"خالد عجاج"!


قد تتعاطف ، وقد لا تتعاطف ، لكني أجد نفسي واقفاً في المنتصف ، مثلي مثل كثر سئموا السلوك الغريب والمعيب لنقابات ولأصحاب مهن نحترمها أجبرونا بمنطق الصوت العالي والتهديد و"الأنعرة" على أن نقف في المنتصف ، لا تعاطف مع ، ولا تحيز ضد.. وسنظل كذلك طالما ظلوا هم..

Tuesday, August 23, 2011

قداسة "كتاب الوزارة"

خطرت على دماغي خاطرة صغيرة قد تبدو غريبة وقد لا يبدو الوقت مناسباً لذكرها..لكن .. أهو.. تبقى مجرد محاولة متواضعة لفتح ملفات ثلاثين عاماً من ألغاز وفوازير التعليم في مصر..


"كتاب الوزارة" و "نماذج الوزارة"..


كتاب الوزارة هو "كتاب" "الوزارة".. الكتاب المقرر عليك دراسته ويكتسب حجيته وقداسته من كونه "كتاب الوزارة" ، في وقت كانت فيه "الحكومة" في مصر صنماً وتابوهاً لا يجوز مجرد التفكير في نقده فما بالكم بانتقاده.. كل ما في كتاب الوزارة حقيقة لا تقبل النقاش ، حتى مع زعم صناع الكتب وزعم الرابسوهات أنفسهم بأن الهدف هو تكوين ملكة التفكير النقدي لدى الطلبة ، المغلوبين على أمرهم..والذين لم يستطيعوا مجرد التفكير في الخروج على نص الكتاب المدرسي الرابسوماتيكي حتى وإن طلب إليهم إبداء الرأي في سؤال في الامتحان ، على طريقة عزومة المراكبية..


متقادم ، بدائي ، مليء بالحشو ، سيء العرض ، غير واضح الهدف ، لا يزودك بمهارة ، كل تلك الترهات لا قيمة لها ، فمن يفكر في تلك الأشياء متهم بمعارضة "سياسة البلد" التي اختارت لك "كتاباً" لا يعرف له الخطأ طريق جرة..


ولأن كتاب الوزارة محاط بتلك الهالة من المصداقية التي تلتصق بكل شيء مرتبط بـ"الحكومة" ، فكان فرصة في عهد "فتحي سرور" لتحميله ، وبشكل كليش ، بالهدف الواضح الذي ارتضته الوزارة من النظام التعليمي ، "خلق الشخصية المصرية المش عارف إيه ..." أي حنجوري من أجل تعبئة الليلة ، وأياً كان الهراء المكتوب على الغلاف الخارجي الخلفي للكتاب فهذا الهراء هو عين الصواب ولا تجوز مناقشته ولا التفكير فيه..


وقد يدافع مدافع عن حقبة "فتحي سرور" التي خرجت علينا بشيء لا يوصف بعبارات مهذبة اسمه "الدفعة المزدوجة" ، أيضاً من باب "كتاب الوزارة" وقرارات السيد الوزير وسياسة البلد ، ويسهل الرد عليه بأن تلك الطريقة من التفكير التي روج لها النظام التعليمي السابق في فترة الثمانينات هي أكبر دليل على كذب كل ما كتب على أغلفة كتب الوزارة في ذلك الوقت ، المطلوب ليس شخصية مصرية ولا ملوخية ولا مهلبية ، المطلوب تكوين عقل منقاد يسهل توجيهه ، مؤهل لأن يكون قطعة شطرنج توضع في أي مكان ، أي مكان يريده النظام السياسي ، عقل غبي لا يقل عنه غباءً العقل الرابسوماتيكي قاصر الخيال جاهل السياسة ، الذي تخيل ورتب أموره على أن الانغلاق السياسي ، وتوافر كل أوراق اللعبة وأدوات الإنتاج والإعلام في أيدي النظام كلها أمور أبدية لا حد لها ، حتى مع ترويج النظام السابق لفكرة التعددية الحزبية في فترة الثمانينات ، التي شهدت بداية سقوط التعليم المصري ..


كانت الرابسوماتيكية جزءاً من المباركية ، التي تعتمد دائماً على أن تخبر الرأي العام وتلقنه شيئاً ، وأنت تنفذ شيئاً آخر ، وعلى يقين أن الناس لا ، ولم ، ولن ، تعرف الفرق.. تجد لاحقاً في عهد "بهاء الدين" عبارة على ظهر الكتاب تقول "ليس بالحفظ والاستظهار ولكن بالفهم والتحليل ...." في حين يواصل تقديم كتاب الوزارة كحقيقة مطلقة ، وفشقةً بيك يا رمضان سنوفر لك ما يساعدك على فهم تلك الحقيقة المطلقة التي ستدخل بها الامتحان وستحصل منها على الدرجات لكي تغور في ستين داهية من النظام ليدخل بعدك آخرون: نماذج الوزارة ، التي هي أقوى من الكتاب الخارجي ، لأنها "نماذج الوزارة" التي لا يخرج منها "الامتحان"..


عدة آثار ترتبت على ترسيخ مفهوم قداسة الكتاب المدرسي في العهد المباركي سياسةً الرابسوماتيكي تعليماً:


1-الخلط التام بين ما هو "معرفة" و"مهارة" وما هو "حقيقة" أو يعد لأن يكون حقيقة .. بمعنى أصح كل ما في الكتاب حتى من آراء هو حقائق لا تقبل النقاش ، وبالتالي فإن المسكين عندما يكبر قليلاً في السن وتسول له نفسه الأمارة بالسوء دخول مكتبة ما في كلية ما ، أو وقف أمام كشك جرائد أو في مكتبة ليجد كتباً تتناول حقبة من تاريخ مصر بوجهة نظر مختلفة عن كتاب الوزارة فستتولد لديه مقاومة عنيفة لفكرة أن يكون هناك تصور آخر غير تصور "الحكومة" التي لا تخطئ(1).. لاحقاً تغيرت تلك الصورة عندما تحولت السياسة المصرية من نقيض إلى نقيض ، وتحولت بالتالي الحكومة والدولة فيمَ بعد من صنم وتابو إلى شيء يضرب بالسابو..


2-ولأن كل ما كان المرء يدرسه حقيقة مطلقة ، ولأن النظام الرابسوماتيكي الذي "اشتغل" المصريين ينادي بالفهم ويأمر بالحفظ ، ولأن المكانة الاجتماعية وكليات القمة و...و... تتطلب الإلمام التام بتلك الحقيقة ، طغى التلقين على العملية التعليمية داخل المدارس ، وفي نظام التعليم الموازي سواء الكتب الخارجية أو الدروس الخصوصية ، التي تستمد مرجعيتها من الكتاب المدرسي النظامي الحزبوطني الحكومي الـ... الـ.... الخ..


3-أعطت "قداسة الكتاب المدرسي" وارتباطه بالسلطة نوعاً من الأمان للأهالي بشكل غير مباشر عندما تحدث المواجهة إياها عقب كل امتحان شهادة عامة ، ولا ينسى الرابسوماتيك ترديد التوشيح الرابسوماتيكي الشهير "كل أسئلة الامتحان جاءت من كتاب الوزارة ونماذجها" -قبل أن تضاف عبارة "ولم يخرج عن نماذج "الجمهورية""-وبالتالي فالامتحان في حماية الحكومة ، ولا يخضع لأهواء واضعه أياً كانت خبرته ، ولذلك فإن تاريخ الثانوية العامة طوال العهد المباركي حفل بصدامات كان سببها محاولات صناع الامتحانات "الخروج على النص" .. سواء أكان هذا الخروج إيماناً بأن الامتحان يختبر معارف ومهارات رسخها الكتاب لا نص الكتاب بحذافيره ، أو كانت فذلكة وغرور زائدين لدى البعض من واضعي الامتحانات أرى عن نفسي أنه ليس من الحصافة بمكان إنكاره..


ربما ترون ، وبالذات من هم أصغر مني سنا ، الأمور بشكل مختلف ، أو ترون أن الصورة قد تحسنت ، أو بقيت كما هي عليه ، أو ازدادت سوءاً ، وهذا ما أريد أن أعرفه منكم بما أني أكتب تلك التدوينة انطلاقاً من تجربة عايشها جيلي في الثمانينات ، في فترة تكون "الفكرة المباركية" كما يصفها البعض ، قد تختلف عن التجربة التي تعايشونها وعايشتموها .. لكن يبقى ما تقرره الوزارة على الطلاب في مراحل التعليم المختلفة ، وثيق الصلة تماماً بحال السياسة والاقتصاد والحريات في بلد بأكمله..

(1) والمذهل أننا نجد في الإعلام الخاص من يتغنى بأن حكومات الثمانينات لم تخطئ .. وأبسط رد على هؤلاء عبارة "إن الله حليم ستار"..

Sunday, July 11, 2010

صعبان عليا


"وانت يا عاطف.. صعبان عليا".. -أحمد زكي"- مش "بدر" -في مسرحية "العيال كبرت"..

لماذا أنا "زعلان" لرئيس تحرير ما يسمى بجريدة "الجمهورية"؟ ربما لأنه قد مرد منذ وطئت أقدامه عالم الصحافة على أن الثانوية الغامة هي مولد وسبوبة عالية جداً لـ"الجمهورية" دوناً عن بقية الصحف المصرية ، مولد في متابعة أخبارها ، وتصريحاتها ، وفي ملاحقها التي لا تخرج أسئلة الامتحان - بقدرة قادر- عنها .. والتي تبقى لغزاً يضاف إلى ألغاز التعليم المصري ككل .. ومقابل هذه الامتيازات عتاة الرابسوماتيك هم ملائكة على الأرض ، لا يخطئون ، ويخطئ الخطأ إن عرف لهم طريقاً ، وكل سياساتهم الفاشلة التي دفعت أجيال من المصريين ثمنها حقيقة لا تقبل النقاش ، وكل من يناقشها فهو (....)و (....) وخائن وعبيط لدولة أجنبية ..الخ..

إلى أن فوجئ الرجل بالعالم يتغير من حوله..وهو على قمة الهرم الصحفي في إحدى أكبر المؤسسات الصحفية المصرية..

هل لأنه قرر الدخول في خلاف ما مع الوزراء ، لأسباب منها الطيب ومنها الشرس ومنها القبيح ، حسنو النية يتحدثون عن الصالح العام ، والخبثاء يتحدثون عن خلافات ، والأشرار آخر حاجة يتحدثون عن انتفاخ في الذات يتسبب في الدخول في حروب مع أكثر التخناء تخناً .. رغم العلاقة الوثيقة والممتازة التي (كانت)تربط رؤساء الصحف الحكومية الحزب-وطنية بالوزراء ، ورغم هامش حسن الجوار المفترض بين أي صحفي كبير وأي مسئول مهما كانت درجة الخلافات بينهما.. وليكن له في أستاذه "سمير رجب" من الدروس والعظات ما يكون..وكم من تلميذ لا يكون وفياً لتقاليد أستاذه..

حقيقةً لم يدخل الرجل وحده في معركة مع الوزير ، بل كانت كل صحف المال السياسي والمعارضة معه ، لكن أسباب الأخيرين تبقى أوجه ، فصحف المعارضة في أي بلد توجد به معارضة تهتم بإلحاق أكبر ضرر سياسي وإعلامي بالحكومة بأي شكل ، وستذكرنا من حين لآخر بأن الوزير الحالي هو ابن وزير الداخلية الأشهر في فترة الثمانينات "زكي بدر" ، وصحف المال السياسي تصعد وتهبط في علاقاتها بأولي الطول في البلد بحسب مصالح مموليها ، وهذا أمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء هذه الأيام، أما "الجمهورية" بالعنية -ودوناً عن قريناتها من مؤسسات الصحافة "القومية"-فهي ذات وضع خاص ، وعلاقة خاصة جداً مع منصب "وزير التربية والتعليم" تبقى الثانوية "الغامة" -لا تستحق إلا أن تكتب هكذا- إحدى بروتوكولاته..

لأسباب سبق ذكرها ، ولأسباب لم أذكرها ، ولأسباب نعرفها ، ولأسباب تعرفونها ولا أعرفها كانت "الجمهورية" وأخواتها هي البادئ ، تسليط الأضواء على أي اعتصام في الوزارة ، تسليط الأضواء على أي قرار لا يعجب حكام الوزارة الفعليين خلال السنوات السابقة ، من كبار موظفين لهفوا على قلوبهم ملياراً من الجنيهات قرر الوزير - لسبب أو لآخر - إيقافها .. استفز ذلك الوزير فوضع قيوداً على الصحفيين الذين يقومون بتغطية امتحانات الثانوية العامة ومن بينهم صحفيي الجمهورية ، فقامت الجريدة بـ"تعلية الفولت" إلى ما يفوق الجهد المنزلي والتحمل البشري بمانشيتات الامتحانات ، فذهب الوزير إلى نقابة الصحفيين وانتقد وبعنف وبتهكم - حسب صحف- ما وصفه بـ"مانشيتات اللطم والعويل" التي حفلت بها تلك الصحف إبان تغطيتها لامتحانات الثانوية العامة..وإبان حوار المراقبين الذين توفوا بسبب الحر وسوء الرعاية الصحية رغم وفاة ضعف العدد سنة 1996 دون أن تكتب الصحف حرفاً واحداً فيهم.. كما لو كانوا من فصيلة الشمبانزي..

ويبدو أن ما زاد الأمور سوءاً لـ"الجمهورية" ليست صعوبة الامتحانات بقدر ما جاء بعضها خارج "الملاحق".. فلم تجد الجمهورية شيئاً إلا أن تتباهى بضرب الجرس ، كما فعل "سعيد صالح" في "العيال كبرت" وهو يصف "العلقة" التي تعرض لها في أول الفصل الثالث .. وكتبت:

وتكون الجمهورية في مقدمة الصحف المصرية التي حققت نجاحا باهرا في تغطية اخبار نتيجة الثانوية العامة بكل تميز رغم الحصار الأمني والنفسي الذي مارسه قيادات الوزارة علي كافة أعمال الامتحانات ثم التصحيح والنتائج. !!

لست مع الوزير ، ولست ضده ، ونصف موسم لا يكفي للحكم عليه جماهيرياً ، وبقدر ما لمست حزناً من أولياء أمور على صعوبة الامتحانات بقدر ما لمست استحساناً من آخرين لديهم بصيص من الأمل في دخول أبنائهم للكليات التي ابتدعت "الجمهورية" وأخواتها وصفها بكليات "القمة" ، وكان في عهود من طبلت لهم الصحافة من قبل من رابع المستحيلات دخولها بالمائة في المائة مجموع ، وبقدر ما لمست من ارتياح في الشارع لقراراته ضد الجنرالات الذين أصبحوا أحدث رموز الشر في المجتمع المصري عن جدارة واستحقاق .. أبطال الغش الجماعي في الثمانينات والموسم قبل الماضي وسدنة الفساد والاستعلاء على رجل الشارع وإهانته..

التعليم يا سادتي الكرام ليس سياسات يضعها وزير في غرفة مغلقة كما كان يحدث في عصور الرابسوماتيك السابقين، الذين كانوا يفرحون بإسناد ملف التعليم إليهم "لوكشة واحدة" دون العمل مع الوزارات المعنية بذلك ، فيسندونه بدورهم للجنرالات ليتفرغ للتصريحات والـ"هووو" و الـ"هييي"و"الـ"عاااا" .. سياسات التعليم تحتاج لتعاون ومشاركة من الجميع بمن فيهم الصحافة في توفير المقترحات والأفكار ، وصنع حالة من التفكير العام في شأن هو شأننا جميعاً ،وإظهار السلبيات وتعزيز الإيجابيات ومحاربة الفساد في العملية التعليمية ، لا بالطبطبة عليه والتحالف معه ..

وإذا كان الرابسوماتيك السابقون أجرموا في حق مصر وأبنائها والتعليم فيها ، فإن لهم شركاء آخرون لا يقلون جرماً ، من سكتوا عليهم ونافقوهم لوجود المصلحة ، والتماسيح الصغيرة الذين ربوهم في الوزارة ليتحولوا وقت زوال المصلحة إلى حملان وديعة ووعاظ في مسائل الشرف..

مبروك لمن نجح بمجموع ، ولمن نجح بلا مجموع ، وحتى لمن يوفق ، كثيرون هم من نجحوا في تغيير حياتهم للأفضل حتى ولو لم تنصفهم الثانوية الغامة ، ومبروك على جريدة "الجمهورية" الجرس الذي ضربته فضحكنا في زمن عز فيه الضحك ..

Friday, January 16, 2009

تعليم كليب

لدينا برلمان منبطح أقرب إلى مسارح القطاع الخاص ، وقت أن كان في بلادنا مسرح "مبتذل" للقطاع الخاص.. قبل أن ينقرض ذلك المسرح بمبتذله ومحترمه.. حدث ما أرادته الميديا الرسمية ، والتفت الرأي العام إلى مشهد "الجزمة" على حساب مشهد تمثيلي آخر أكثر ابتذالاً.. تمثيلية "الوطني الأوحد" التي يمثلها نواب الحزبوطني داخل البرلمان الذين يزعمون أنهم يستجوبون وزير التعليم فيما يخص التعليم!

لعبة "الأوحد" هي أحد الأسباب المباشرة لتخلفنا ، فكما أن التيار الديني يدعي أنه الوحيد المهتم بغزة ، والتيار القومي يدعي أنه الوحيد المهتم بدور مصر "القومي" و"العروبي"، واليسار يحتكر لنفسه العمال والفلاحين وإن كان ينافس الحزبوطنيين على احتكار الوطنية وربما الوطن .. وربما كانت تلك الاستجوابات التمثيلية في المسألة التعليمية محاولة مبتذلة لتوصيل رسالة مفادها "نحن نهتم بالداخل المصري ومستقبل مصر".. يا عيني..

1-تحدث رئيس الوزراء إلى هؤلاء النواب الذين كانوا متواجدين في المؤتمر العام للحزبوطني مطالباً إياهم بـ"تطوير التعليم".. وكان الوزير أمامهم في المؤتمر ، وبعد المؤتمر في مناقشات لجنة التعليم .. وكان من الممكن أن يواجهوه ويناقشوه في مسائل التعليم والنظام التعليمي المصري بعيداً عن أعين قناة "المحور" ومراسلي "المصري اليوم"-تلك الجريدة التي تسببت في شهرة النواب أكثر مما تسببت الإذاعة يوماً ما في شهرة المطربين- لكنهم اختاروا هذا التوقيت بالذات لتوصيل أكثر من رسالة .. منها أننا "وطنيون بالقوي يا احنا" ، وثانيها كي يعرف أبناء الدائرة الكرام "إن احنا عدم اللمؤاخذة ناس بتشتغل وبنحضر الجلسات" .. وبالمرة "إن احنا معارضين وفلة".. أضف إلى ذلك تحسين الصورة التي بان سوادها بسبب ما ينتشر في الشارع عن تورط عدد من السادة النواب في "مواويل" الغش الجماعي..

2-السؤال الذي قد يقفز إلى ذهن عامة الناس من أمثالي وأمثالك هو: حيقولوله إيه يعني؟ .. سؤال في محله .. واستنتاجي للإجابة المنطقية عنه هو عبارات من عينة : التعليم "وِحِش" يا معالي الوزير!

ممتاز .. أما وقد علمنا أنه كذلك.. على أي أساس؟ تذكروا أن هؤلاء "الأشخاص" صانعو قرار ، في حزبهم -إن جاز لنا تسميته كذلك- أو في مجلس الشعب ، ومن مهامهم ممارسة "الرقابة البرلمانية" على أعمال السادة الوزراء.. أي أن هؤلاء وبالذات أعضاء اللجان ينبغي عليهم أن يتابعوا أمور التعليم أكثر من الصحفي ، والمدوِّن ، والشخص العادي.. إن صح ما استنتجته .. فإن ما دار لا يعدو مجرد دردشة عادية "التعليم وحش ..ههههه" كما لو كان الحوار عن مباراة كرة قدم أو جلسة ودية على مصطبة .. وهذا سيساهم في نسف ثقة آحاد الناس في العملية السياسية برمتها..المؤسف أن حقيقة أخرى تعزز هذا الاستنتاج ، ألا وهي أن...

3-معظم نواب الحزبوطني في البرلمان نواب خدمات ، المدرسة الفلانية والمستشفى الفلاني وبيارة الصرف الصحي الفلانية وتأشيرة من هنا وتأشيرة من هناك .. نقاش عن السياسات وطرق تنفيذها وسوء إدارة العملية التعليمية "معرفكش".. قد يعزي البعض ذلك لضعف المستوى الثقافي لمعظم ممارسي السياسة في مصر بمن فيهم حملة رتب - عفواً: درجات- علمية .. وقد يعزي البعض ذلك أيضاً لأن هؤلاء منشغلون بأمور أخرى وليس لديهم "الوقت الكافي" لمتابعة الداخل المصري والذي يندرج تحت بنده كل ما يتصل بالتعليم.. إلا طبعاً ما يتصل بمصالحهم..

4-وبالتالي فإن "قضايا التعليم" لدى هؤلاء اختزلت في مسائل من عينة "الكادر الخاص" ، ونظام "الثانوية العامة" ، وبعض الأمور التي يمكن مناقشة وكلاء الوزارات في الأقاليم فيها بشكل أفضل بما أننا مقدمون على لا مركزية وكل سنة وانتم طيبين آخر حاجة..

عليه ، فما حدث من السادة نواب الحزبوطني لا يعدو مجرد مشهد تمثيلي أمام أعين الـ"Big Brother".. التمثيل الذي تمليه "المراقبة".. لا الرقابة.. كان على الحزبوطني أن يستعين بممثلين أكثر كفاءة بالذات عندما يمثلون ممارسة الرقابة على الوزراء ، والكلام عن التعليم..

Friday, February 22, 2008

تلك التجربة

مقدمة: يدهشني التجاهل المتعمد والخبيث للتقييم الموضوعي للحقبة التي سافر فيها العديد من المصريين للعمل خارج البلاد في الدول العربية النفطية سواء في الخليج أو في ليبيا.. هذه الحقبة التي كان من أهم معالمها سفر "المدرس المصري" للعمل في الخارج..

نعم.. سافر نفر كثير إلى بلاد النفط للعمل كمدرسين، منهم من بقي هناك ومنهم من عاد.. منهم من كان مثلاً جيداً للمصري ومنهم من أسهم في جعل سمعة هذا البلد الطيب في أسفل سافلين ، وتحول إلى لعنة أخذت الصالح قبل الطالح في سكتها..

أعترف في رأيي المتواضع الذي سيغضب الكثيرين أن الجانب السيء أكبر بكثير.. ليس فقط لأن الفاحشة تعم والحسنة تخص وعليه فالتجارب الأسوأ هي التي تترك أثراً يدوم بعكس التجارب الإيجابية..

أخذت شريحة من المدرسين المصريين أسوأ ما في مصر لتنقله إلى طلاب المهجر.. العقلية التي بُنِيَ عليها النظام التعليمي الرابسوماتيكي ، والاستعلاء طبعاً على المجتمع الجديد الذي وفدوا إليه ، ومعها أخلاقيات الزحام التي جعلت من المصري عدو المصري ولو في بلاد الواك واك.. سمعت قصصاً عن مدرسين مصريين تنافسوا فيما بينهم في تدبير المكائد لدى أولي الأمر ، وتقاتلوا على إعطاء الدروس الخصوصية لأبناء الشيوخ والأمراء في بلدان عربية خليجية ، ولا ننسى الفهلوة وتفتيح المخ وفتح عينك تاكل ملبن ، الأمر الذي أسهموا فيه مع المحاسبين المصريين أيضاً - بكل أسف - في نقله إلى تلك البلدان..

عاد منهم من عاد بعد أن جمعهم "إكوام إكوام".. ليتحول من "مُعَلِّم" إلى "مِعَلِّم".. كان الغرض من سفره إلى بلاد الجاز أن ينقل الخبرة المصرية إلى المجتمعات التي كانت وليدة ..والآن نقل إلينا عصارة خبرته في الفهلوة على الخليجيين في مراكزه وسنتراته .. وهو يتحسر على الأيام الخوالي ..أيام الريالات والدراهم والدنانير قبل أن يجدوا أنفسهم بفعل الظروف التي انقلبت مائة وثمانين درجة خارج اللعب..تماماً كباقي المصريين العاملين في الخارج في كافة الاختصاصات..

ولا يمكن أن ألقي باللوم وحده على المدرسين أنفسهم ، بل إن جزءاً كبيراً مما حدث هو من جراء حماقة حكومات متعاقبة طوال الفترة منذ بداية موجات الهجرة وحتى انحسارها.. فإرسال المدرسين والموظفين (الذي يتم عبر الحكومات) كان يتم بشكل فائق العشوائية.. مش مهم مين كويس ومش مهم مين "فُضَحي".. لم تعد الحكومة المدرس إعداداً جيداً للسفر لا في الستينيات ولا في السبعينيات ولا في الثمانينيات.. وإن تعرض هو لتجاوزات على يد بعض ممن رجرج "الجاز" عقولهم فلن يجد له سنداً ولا ظهيراً ولا مدافعاً عن كرامة الوطن والمواطن (أحدث لبانة يتشدق بها الحزبوطني هذه الأيام)..فالحكومات -عادةً- تترك المهاجرين والمغتربين المصريين "في الطل".. لا متابعة ولا سؤال ولا سلام ولا كلام إلا فرض الضرائب على تحويلاتهم من الخارج لذويهم في مصر.. وكان الله بالسر عليماً..

لا زال النيل يجري على أي حال.. لا تزال الحكومة في عهد "الست وزيرة القوى العاملة" -أسوأ وزير في الحكومة مع صاحبنا إياه- مقاولاً للأنفار على طريقة "سنبل" في مسلسل "سنبل بعد المليون".. ولكن ليس إلى "زرزارة" طبعاً.. وما زال صغار المدرسين يحلمون بالسفر لدول الخليج إما لتحسين مستواهم المعيشي (وهذا حق مشروع) وإما لتجربة قدراتهم في الفهلوة والتسليك ليعودوا لتسليك جيوبنا بعد أن تضيق بهم السبل ، خاصةً عندما تعلمت جنسيات أخرى اللعبة وبدأوا في سحب السجادة من تحت أقدامنا هناك..

أسمع أنهم في الخليج قطعوا أشواطاً في "توطين التعليم" وصارت لهم كوادر مواطنة وقل الاعتماد على المدرس المصري والسوداني والفلسطيني والسوري ، وقطعوا كذلك أشواطاً في تطوير نظم التعليم في بلادهم ، بعد أن ألقوا بنظرياتنا الرابسوماتيكية وحنجرات "الجمل" عن المشاركة المجتمعية والمجتمع الأهلي (والزمالك) من الرابع..وربما نحتاج لقدرات خليجية وشامية لتطوير التعليم في مصر خاصةً وأن السيد الوزير - حفظه الله في مكانٍ ما - قد أقر السماح للمدرسين (غير المواطنين) للعمل في مصر..

وتبقى تجربة المدرس المصري درساً يحتاج لتحليل هادئ وعقلاني.. من كل من كان له عقل.. أو ألقى السمع وهو شهيد..

Friday, July 06, 2007

حكاية الجرس والفرافير

وإذا لم يكن ما كتبته في التدوينة السابقة يبدو غريباً ، دعوني أنقلكم إلى ما هو أغرب.. وهو يذكرني بقصة من حكايات أيسوب في التراث العربي..

قيل أنه كان هناك قط سمين يأكل في كل يوم عدداً من الفئران ، فلما استشعرت الفئران الخطر فكروا في فكرة تحد من خطر هذا القط المفترس .. فبادر أحدهم إلى فكرة تعليق جرس في رقبة القط ، ما أن يتحرك حتى يحدث الجرس صوتاً فيلزم كل فأر الحذر ويختبئ حتى يرحل، ولاقى الاقتراح الجديد قبولاً واسعاً ، إلا أنه كانت هناك مشكلة بسيطة واحدة .. من الذي سيتولى تركيب الجرس؟

ما هي علاقة ما سبق بما هو آت؟.. أقول لكم..

نشر أحد المواقع نقلاً عن صحيفة حكومية قبل أيام قليلة الأعداد التي سيتم قبولها من طلبة الثانوية الغامة في الكليات والمعاهد ، والأعداد نفسها تثير علامات استفهام ، فكليات الآداب ستستقبل طبقاً للصحيفة 55 ألفاً ، 53 ألفاً لكليات التجارة ، 7900 طالباً لكليات الطب..

والظريف في الموضوع أن الدكتور هاني هلال في نهاية الخبر قال أنه "بأنه سيتم استيعاب جميع الطلاب الناجحين في الثانوية العام هذا العام بالجامعات والمعاهد العليا".. الاكليشيه نفسه مكرر وربما كنا نسمعه كل عام منذ أيام توت عنخ آمون ، لكن الأرقام التي نشرت في ذاتها لغز كبير ، دعوكم من كليات التجارة والآداب التي خلفها النظام التعليمي ونساها ودفنها وتقبل فيها العزاء.. ولننظر لأعداد طلبة كلية الطب..

في الماضي كانت أعداد طلبة كلية الطب قليلة ومحددة ، لأن المجاميع لم تكن قد ارتفعت بهذا الشكل المخيف ، وكان هناك بعض الأريحية في إعدادهم وتجهيزهم لأن المعامل والإمكانيات كانت مناسبة لتلك الأعداد ، وعليه كان مستوى مهنة الطب أفضل بكثير..

وتزايدت الأعداد التي لم يعمل لها أحد حساباً ، وتزايد الضغط ، وكان على المجاميع أن تزيد حتى لا يغضب الشارع (وإن كانت وجهة نظره كما أراها تغيرت بعد ما رأى بعينه كم طوابير العاطلين نتيجة للسياسات الخرقاء ولأشياء أخرى)، وحتى "يدب" الرابسوماتيكيون أصابعهم في عين التخين مؤكدين على أن هذه المجاميع المحقونة بالهرمونات هي مؤشر على نجاح النظام التعليمي بأكمله ، وكان أمراً طبيعياً أن ينوب كليات الطب من الحب جانب..فارتفعت الأعداد لتتخطى إمكانيات الكليات جمعااااااء!

أولاد البطة البيضاء (أساتذة الجامعات) لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ، فمستقبلهم مضمون مضمون مضمون ، أما أبناء البطة السوداء من غير حملة الوسائط فأمامهم التكليف واللف على العيادات وعدم التفرغ وعدم التركيز ، والنتيجة أشخاص يموتون في المستشفيات بإهمال طبي لا يهم أحداً مناقشته ، وأشخاص آخرون يلتقطون فيروس سي من مستشفيات أخرى .. ومسئولو النقابة لا يفلحون إلا في تكرار بعض الإكليشيهات الـ(....) من عينة : الطب في مصر على أعلى مستوى ومستهدف!

والكل عندما يثار موضوع انحطاط مستوى الطب في مصر يتعامل مع الأمر مثلما تعاملت الفرافير مع الجرس العجيب.. منطق "ماليش دعوة"..

الجامعات أساتذة وموظفين وإداريين يصبون جام غضبهم على النظام التعليمي الرابسوماتيكي الذي دفع بكل تلك الأعداد من الطلاب التي تفوق إمكانيات كليات الطب وربما حاجة المجتمع.. ويقولون "مالناش دعوة"..(أما نقابة هايديلينا فمالهاش دعوة هي الأخرى وتتمنى الأعداد تكتر والاشتراكات تكتر والخير يعم ويزيد ..همة خسرانين حاجة)..

والقائمون على التعليم قبل الجامعي يؤكدون أنهم بدورهم "مالهمش دعوة" .. هذه هي الأعداد التي دخلت مراحل التعليم كلها ويجب أن تواصل مسيرتها المظفرة من المنبع إلى المصب في الجامعات..ثم أن أهم أوراق اللعبة بيد مكتب التنسيق ، إذا ما ارتفع المجموع عن كذا "اشحن" الطلبة على الكلية الفلانية ، واللي مايجيبوش "اشحنوهم" على أي كلية من كليات القاع ودوري المظاليم!

المضحك أن كل هؤلاء يعرفون بضخامة الأعداد وبحجم المشكلة ، كما يعرف الفئران تماماً أن مشمش جاي (زي هراس جاي للي شافوا المسلسل الشهير) ، وكل هؤلاء يتهربون من المسئولية كما تهرب كل فرفور..

قد يقول بعض من سمعوا حكاية أيسوب أنه من الممكن أن يتعاون أكثر من فأر ، وربما الفئران كلهم ، في تعليق الجرس في رقبة القط ، وهذا هو ما لم يحدث ولن يحدث في حالتنا ، فلكل مصالحه ولكل هدفه ولكل رغبته في الهرب من المسئولية إن كانت وزارة التعليم أو كليات الطب أو النقابة.. ثم يمصمصون شفاههم هم والصحفيون على الحال المدندر لمهنة الطب في ربوع المحروسة ، قبل أن يصل العجز بالجميع إلى الدرجة التي يلقي فيها باللائمة على القوى الخارجية الغامضة وربما الشمس والزلزال ، كما يحدث في كل خيبة في مصر..

وسننتظر طويلاً ، وربما يؤنسنا أبناؤنا وأحفادنا لانتظار يوم يجتمع فيه الفرافير معاً لبحث مسألة تعليق الجرس!

هذا بالنسبة لطلبة كلية الخمسة عين سابقاً ، ولا تحدثوني -الآن على الأقل- في طلبة كليات التجارة والحقوق والآداب.. فهؤلاء عرفوا مصيرهم تماماً ، ولن يبالي مخلوق لـ"كربستهم" في الكليات بسبب المجموع على طريقة "خش رابع ورا" .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..

Friday, June 29, 2007

العيب في العملية ، والعملية في النملية

أهم الأشياء التي يضيفها العلم لحياتنا هو تنظيم التفكير ، والخروج به من دائرة العشوائية والفهلوة .. والعلم في حياتنا وحتى في دوائر صنع القرار وجوده مثل عدمه..

العلم اختزل في الشهادات التي تملاً "سيفيهات" البكوات في كل مصلحة حكومية وجامعة ووزارة ، والتعليم اختصر في "العملية" ، وهي اختراع مصري فيما يبدو لم يسبقنا به أحد من العالمين.. ولم يستقر أحد على تعريف العملية تلك ، ولا على الفرق بين "العملية التعليمية" والعملية الجراحية على سبيل المثال!

بل إن تلك العملية المعجزة تحتوي من الأسرار ما يستعصي على فهم "الدالات" الذين جلسوا على الكرسي الرابسوي ، وعلى "دالات" القهاوي الذين يملأون الصحف والمجالس النيابية كلاماً عن التعليم وسنينه في مصر..

استوقفني التصريح اللمبي الذي خرج من مجلس الشعب ، وقيل من رئيس مجلس الشعب وهو وزير تعليم أسبق تاريخه كان ناصع السواد طوال فترته في الوزارة ، بأن الدروس الخصوصية "عيب في العملية"..

هذا العيب كان ماثلاً أمام عدد من وزراء التعليم السابقين لعقود تفوق عمري أنا ، وأمام الوزير المذكور نفسه ، بل استشرى في ولايته ، ووقف الجميع يتفرج عليه ، ولم يناقش في الغرف المغلقة بما يحتمل من جدية ، وكأن الدروس الخصوصية ظاهرة طبيعية مثل إعصار جونو لا دخل للبشر به!

مفارقة غريبة .. القائمون على التعليم الذي من مهامه تخليص عقولنا من العشوائية عالقون حتى الآذان في مستنقع العشوائية ، والذي ينتهي بأصحابه إلى تحويل المشاكل إلى أمور طبيعية و "قضاء وقدر" بعد العجز عن التفكير فيها وعرضها على العقل..

مثلها في ذلك مثل الغش الجماعي ، القضاء والقدر الجديد طبقاً للتفكير الرابسوماتيكي..

كان أمام الوزير ، ومديري الإدارات التعليمية الذين يريد الوزير إعطاءهم سلطات أوسع ، عام كامل ، لوضع إجراءات مشددة لمنع الظاهرة قبل حدوثها .. ولتفادي مشاكل امتحان الثانوية العامة الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من "العملية" .. لكن ما حدث هو فاصل من الفرجة والقرارات المتأخرة بعد اصطدام الطوبة بالمعطوبة ، وآخر المتمة اختيارات غريبة لمسئولي الكنترول في امتحانات الثانوية السامة ، ثم أزمة أوراق الإجابة المحترقة..

وطول ما المجاميع والعينات العشوائية (اختراع مصري جديد) في العالي ، فالعملية تمام التمام ، ولا مجال لمناقشة العملية أو عرضها على المخ والكبدة والطحال!

فيما يبدو سنبقى مع العملية المعجزة طويلاً ، وقد يلحق أحفادنا بذلك المصطلح ، وبكل الكوارث التي ستصبح قضاءاً وقدراً ، وبالاتكالية والعجز وفقر التفكير الذي لا يليق بأكاديميين في مواجتها..

بشر حمقى الخطا .. سحقت هاماتنا خطاهم!