Sunday, July 11, 2010

صعبان عليا


"وانت يا عاطف.. صعبان عليا".. -أحمد زكي"- مش "بدر" -في مسرحية "العيال كبرت"..

لماذا أنا "زعلان" لرئيس تحرير ما يسمى بجريدة "الجمهورية"؟ ربما لأنه قد مرد منذ وطئت أقدامه عالم الصحافة على أن الثانوية الغامة هي مولد وسبوبة عالية جداً لـ"الجمهورية" دوناً عن بقية الصحف المصرية ، مولد في متابعة أخبارها ، وتصريحاتها ، وفي ملاحقها التي لا تخرج أسئلة الامتحان - بقدرة قادر- عنها .. والتي تبقى لغزاً يضاف إلى ألغاز التعليم المصري ككل .. ومقابل هذه الامتيازات عتاة الرابسوماتيك هم ملائكة على الأرض ، لا يخطئون ، ويخطئ الخطأ إن عرف لهم طريقاً ، وكل سياساتهم الفاشلة التي دفعت أجيال من المصريين ثمنها حقيقة لا تقبل النقاش ، وكل من يناقشها فهو (....)و (....) وخائن وعبيط لدولة أجنبية ..الخ..

إلى أن فوجئ الرجل بالعالم يتغير من حوله..وهو على قمة الهرم الصحفي في إحدى أكبر المؤسسات الصحفية المصرية..

هل لأنه قرر الدخول في خلاف ما مع الوزراء ، لأسباب منها الطيب ومنها الشرس ومنها القبيح ، حسنو النية يتحدثون عن الصالح العام ، والخبثاء يتحدثون عن خلافات ، والأشرار آخر حاجة يتحدثون عن انتفاخ في الذات يتسبب في الدخول في حروب مع أكثر التخناء تخناً .. رغم العلاقة الوثيقة والممتازة التي (كانت)تربط رؤساء الصحف الحكومية الحزب-وطنية بالوزراء ، ورغم هامش حسن الجوار المفترض بين أي صحفي كبير وأي مسئول مهما كانت درجة الخلافات بينهما.. وليكن له في أستاذه "سمير رجب" من الدروس والعظات ما يكون..وكم من تلميذ لا يكون وفياً لتقاليد أستاذه..

حقيقةً لم يدخل الرجل وحده في معركة مع الوزير ، بل كانت كل صحف المال السياسي والمعارضة معه ، لكن أسباب الأخيرين تبقى أوجه ، فصحف المعارضة في أي بلد توجد به معارضة تهتم بإلحاق أكبر ضرر سياسي وإعلامي بالحكومة بأي شكل ، وستذكرنا من حين لآخر بأن الوزير الحالي هو ابن وزير الداخلية الأشهر في فترة الثمانينات "زكي بدر" ، وصحف المال السياسي تصعد وتهبط في علاقاتها بأولي الطول في البلد بحسب مصالح مموليها ، وهذا أمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء هذه الأيام، أما "الجمهورية" بالعنية -ودوناً عن قريناتها من مؤسسات الصحافة "القومية"-فهي ذات وضع خاص ، وعلاقة خاصة جداً مع منصب "وزير التربية والتعليم" تبقى الثانوية "الغامة" -لا تستحق إلا أن تكتب هكذا- إحدى بروتوكولاته..

لأسباب سبق ذكرها ، ولأسباب لم أذكرها ، ولأسباب نعرفها ، ولأسباب تعرفونها ولا أعرفها كانت "الجمهورية" وأخواتها هي البادئ ، تسليط الأضواء على أي اعتصام في الوزارة ، تسليط الأضواء على أي قرار لا يعجب حكام الوزارة الفعليين خلال السنوات السابقة ، من كبار موظفين لهفوا على قلوبهم ملياراً من الجنيهات قرر الوزير - لسبب أو لآخر - إيقافها .. استفز ذلك الوزير فوضع قيوداً على الصحفيين الذين يقومون بتغطية امتحانات الثانوية العامة ومن بينهم صحفيي الجمهورية ، فقامت الجريدة بـ"تعلية الفولت" إلى ما يفوق الجهد المنزلي والتحمل البشري بمانشيتات الامتحانات ، فذهب الوزير إلى نقابة الصحفيين وانتقد وبعنف وبتهكم - حسب صحف- ما وصفه بـ"مانشيتات اللطم والعويل" التي حفلت بها تلك الصحف إبان تغطيتها لامتحانات الثانوية العامة..وإبان حوار المراقبين الذين توفوا بسبب الحر وسوء الرعاية الصحية رغم وفاة ضعف العدد سنة 1996 دون أن تكتب الصحف حرفاً واحداً فيهم.. كما لو كانوا من فصيلة الشمبانزي..

ويبدو أن ما زاد الأمور سوءاً لـ"الجمهورية" ليست صعوبة الامتحانات بقدر ما جاء بعضها خارج "الملاحق".. فلم تجد الجمهورية شيئاً إلا أن تتباهى بضرب الجرس ، كما فعل "سعيد صالح" في "العيال كبرت" وهو يصف "العلقة" التي تعرض لها في أول الفصل الثالث .. وكتبت:

وتكون الجمهورية في مقدمة الصحف المصرية التي حققت نجاحا باهرا في تغطية اخبار نتيجة الثانوية العامة بكل تميز رغم الحصار الأمني والنفسي الذي مارسه قيادات الوزارة علي كافة أعمال الامتحانات ثم التصحيح والنتائج. !!

لست مع الوزير ، ولست ضده ، ونصف موسم لا يكفي للحكم عليه جماهيرياً ، وبقدر ما لمست حزناً من أولياء أمور على صعوبة الامتحانات بقدر ما لمست استحساناً من آخرين لديهم بصيص من الأمل في دخول أبنائهم للكليات التي ابتدعت "الجمهورية" وأخواتها وصفها بكليات "القمة" ، وكان في عهود من طبلت لهم الصحافة من قبل من رابع المستحيلات دخولها بالمائة في المائة مجموع ، وبقدر ما لمست من ارتياح في الشارع لقراراته ضد الجنرالات الذين أصبحوا أحدث رموز الشر في المجتمع المصري عن جدارة واستحقاق .. أبطال الغش الجماعي في الثمانينات والموسم قبل الماضي وسدنة الفساد والاستعلاء على رجل الشارع وإهانته..

التعليم يا سادتي الكرام ليس سياسات يضعها وزير في غرفة مغلقة كما كان يحدث في عصور الرابسوماتيك السابقين، الذين كانوا يفرحون بإسناد ملف التعليم إليهم "لوكشة واحدة" دون العمل مع الوزارات المعنية بذلك ، فيسندونه بدورهم للجنرالات ليتفرغ للتصريحات والـ"هووو" و الـ"هييي"و"الـ"عاااا" .. سياسات التعليم تحتاج لتعاون ومشاركة من الجميع بمن فيهم الصحافة في توفير المقترحات والأفكار ، وصنع حالة من التفكير العام في شأن هو شأننا جميعاً ،وإظهار السلبيات وتعزيز الإيجابيات ومحاربة الفساد في العملية التعليمية ، لا بالطبطبة عليه والتحالف معه ..

وإذا كان الرابسوماتيك السابقون أجرموا في حق مصر وأبنائها والتعليم فيها ، فإن لهم شركاء آخرون لا يقلون جرماً ، من سكتوا عليهم ونافقوهم لوجود المصلحة ، والتماسيح الصغيرة الذين ربوهم في الوزارة ليتحولوا وقت زوال المصلحة إلى حملان وديعة ووعاظ في مسائل الشرف..

مبروك لمن نجح بمجموع ، ولمن نجح بلا مجموع ، وحتى لمن يوفق ، كثيرون هم من نجحوا في تغيير حياتهم للأفضل حتى ولو لم تنصفهم الثانوية الغامة ، ومبروك على جريدة "الجمهورية" الجرس الذي ضربته فضحكنا في زمن عز فيه الضحك ..

Monday, July 05, 2010

واللي فات ننساه..ننسى كل أساه!

ما هو الخطأ في أن يتضمن امتحان الرياضة في الإعدادية أو الثانوية العامة سؤالاً له علاقة بجدول الضرب ، أو بالقسمة المطولة (التي كانت دلالة على "عبقرية" الطفل في ثمانينيات القرن الماضي)؟ ما هو الخطأ في أن يلعب سؤال في مادة ما على معلومة درسها الشخص في مرحلة دراسية سابقة؟ مش عارف..

ربما كان الرد الطبيعي بعد كل واقعة هو "ما خدناهاش في المقرر".. المقرر يتضمن كذا وكذا وليس كيت وكيت.. بما أن تنتهي السنة تنتهي علاقتنا بكل ما درسناه فيها ، واللي فات ننساه .. ننسى كل أساه.. وروح يا مقرر وتعالى يا مقرر..

هذا الرد ليس جزءاً فقط من فهمنا العجيب للتعليم ، بل هو جزء من ثقافة بلد بأكمله ، كونها من تجارب وممارسات على مر السنوات ، فأي مسئول ، وبالذات الرابسوماتيك ، بمجرد تركه للمنصب يتم التجاوز عن جميع أخطائه وخطاياه دون حساب أو سؤال إلا في يوم القيامة بفهم خاطئ لعبارة "عفا الله عما سلف" ..والذي جعل خطايا الرابسوماتيك وغيرهم تمحى بمجرد تركهم لكراسيهم ، قادر على محو جدول الضرب وحروف الهجاء ورفع الفاعل ونصب المفعول ، وهي كلها معارف بدائية "شاذجة" من العار والشنار أن يتم حساب الطالب عليها..

يمكن محو كل ذلك في حالة واحدة ، إن لم تكن ستستخدمه إطلاقاً في حياتك بعد الدراسة.. إن لم تحتج لاستخدام جدول الضرب في عملية حسابية وأنت "شحط كبير" .. إن لم تحتج لمعرفة ما إذا كانت الكلمة التي ستكتبها مرفوعة أم منصوبة .. إن..إن..إن.. وكلنا نعرف أن ذلك مستحيل..

على مدى أربع سنوات تناولنا -صراحةً وضمناً- حالة عدم الجدية تجاه التعليم من صناعه وواضعي ومنفذي سياساته ، لكن المشكلة الحقيقية أن تلك الآفة موجودة لدينا ، كطلبة ، وكأولياء أمور ، وكأشخاص عاديين ، وربما انتقلت بالفعل - بكل أسف- إلى صحفيين وأعضاء مجالس نيابية يبحثون عن جنازة يستعرضون فيها قوة خدودهم التي لا تحمر من كثرة اللطم .. ويتباكون في جرائدهم وفي خطبهم الرنانة على التعليم الذي لا يؤهل طالبه لقيام بعملية ضرب أو قسمة .. التعليم الذي لم يفعلوا شيئاً لإصلاحه .. ولا لتغيير معتقدنا الأزلي بأن التعليم شهادة فحسب وبأن فترة صلاحية ما نتعلمه كل عام لا تتجاوز العام!..
* شكر خاص جداً للزميلة العزيزة "زمان الوصل" مصدر فكرة هذه التدوينة..