Tuesday, May 30, 2006

حصة إنشا

هناك العديد من المهارات يمكن أن تكون مقياساً لتقييم أي نظام تعليمي ، ومن ضمنها مهارة القدرة على التعبير .. مهارة أخرى فشل النظام التعليمي في توصيلها لطلبته وبامتياز..

في الوقت الذي يفترض بالنظام التعليمي أن يمرن طلبته الذين سيخرجون للحياة العملية يوماً ما على استخدام اللغة في التعبير عن الرأي وعن النفس ، إذا بنا نجده يحول التعبير إلى كنج كونج آخر يخشى الطلبة المرور من نفس الشارع الذي يمر منه..الأمر الذي جعل أولياء الأمور يبحثون مع المدرسين عن مواضيع التعبير "المتوقعة" لهذا العام ، بل ويرغم أولياء الأمور والمدرسون طلبتهم على حفظ مواضيع تعبير كاملة.. تخيلوا!

ولأنها "مش سايبة" فلازم الطالب يحفظ الخطة بحذافيرها علشان يتفرغ لدش النحو والصرف والأدب والبلاغة بما يرضي الله وبذمة وبضمير ، أول حاجة تخش له بجملة افتتاحية من الأستاذ حصص حفظهملك في المجموعة ، وبعد كدة في النص ترزع له بيت شعر من اللي انت حفظتهم في الدرس أو في كتاب الوزارة أو في أي داهية ، وبعد كدة "تحبس" بالجمل الختامية ، أي واحدة من الخمسة وعشرين جملة اللي محفظهملك المستر (حتى مدرس العربي بيتقال عليه مستر.. يا للمهزلة اللغوية!)..وعموماً المستر بيقول لك اتوصى بعلامات الترقيم ، وبعد كل جملة حط فصلة واقفل بنقطة وخلص نفسك .. والمستر كمان علشان راجل straight man مديلك كام بق تعبير تحفظهم عن الإرهاب والسياحة وتعديل المادة 76 من الدستور.. أصله سمع من الجن اللي محضره الشيخ كبارس (جن حزب وطني من بتوع الفكر الجديد وبيقولوا واصل قوي ويعرف رابسو شخصياً "اللي حينضف الوزارة") إن دول جايين في امتحان السنة دي!

فكرة حفظ موضوع التعبير كوميدية بما يكفي ، لكنك لن تضحك عندما تعرف أن حصة التعبير طوال العام تلك تبدو كما لو كانت مقرراً جديداً يظهر قبل الامتحان فقط ، فحصص التعبير كما تقول تجربتي الشخصية كانت مجرد حصص يعطينا المدرس الفاضل فيها موضوعاً لنكتب عنه دون أن نتناقش فيه ، وبينما يتفرغ الطلبة للكتابة يتفرغ المدرس للرغي مع زملائه ، أو للغط في سبات عميق!

هذا إهمال.. أليس كذلك؟

لكنه مجرد حلقة في المسلسل يا سادة..

فاللغة تدرس للطالب منذ الابتدائي بكل إهمال ، قراءةً وكتابةً وفهماً ، وفيما بعد ومع حصص النحو والصرف والبلاغة تتحول اللغة ودراستها إلى صورة من صور التعذيب ، وبالتالي يكره اللغة وقراءتها وكتابتها والشعر والنحو والبلاغة والصرف..

النتيجة : مذيعون وصحفيون يرفعون المنصوب وينصبون المجرور ويضربون المرفوع بالجزمة القديمة ويجعلون المبني للمجهول مختلاً عقلياً، وأخطاء إملائية مخجلة يقع فيها أساتذة جامعة وساسة ومدرسون ، والأهم لجوء قطاعات كبيرة من مجتمعاتنا للسب بالأب والأم والدين وكل شيء ، وربما يختصر بعضنا الطريق عملاً بالبيت القديم "السيف أصدق إنباءً من القلم" ، ويشيل مطوة قرن غزال مصدية في جيبه علشان لو حد كلمه كلمة يطلعها ويدي له..

والمضحك أن التعبير لا يزال يسمى لدينا "إنشا" ، والكلام الفارغ في مصر يطلق عليه أيضاً "إنشا".. وبالتالي فإن أول ما يقال لك عندما تثير تلك القضايا حتى في قلب الشارع : يا أخي عيش عيشة أهلك وبلاش كلام الإنشا دة!

وطالما الحال على هذا المنوال ، يبقى م الآخر ولا حاجة في عيشتنا ولا عيشة أهالينا حتتغير..

Sunday, May 28, 2006

يا صفايح الزبدة "اللايحة"!

على صفحات الدستور بعدد 17/5/2006 ، نشرت تفاصيل تشير إلى فضيحة بجلاجل وصاجات في وزارة التربية والتعليم ، مفادها أن أناساً في الوزارة حولوا للمحكمة التأديبية ، بسبب تورطهم في فضيحة الغش الجماعي العام الماضي ، قد تم اختيارهم لقيادة الكنترول هذا العام .. والسبب هو ضيق الوقت كما زعمت الوزارة الموقرة..

وكان مائة وواحد وتسعون مسئولاً متفاوتي الدرجات في الوزارة قد حولوا للتحقيق العام الماضي ونشرت جريدة "الجمهورية" الحكومية أسماءهم كاملة قد حولوا للتحقيق الذي أجري معهم بمعرفة إدارة الشئون القانونية بالوزارة ، ولم يكتف التحقيق بإثبات إدانتهم فحسب ، بل كشف أثناء التحقيق النقاب عن تفاصيل مرعبة ، من ضمنها تلقي بعض كبراء هؤلاء لرشاوى من رجال أعمال لهم أبناء في الثانوية العام الماضي وصلت إلى عشرة آلاف جنيه مصري.. وقبل أن يصدر الأمر بإحالتهم للمحكمة التأديبية ، هوووووب، كسبت الوزارة وقتاً وثبتتهم على القائمة..

الطريف أن هذا الأمر يتضارب مع بنود صريحة في اللائحة المنظمة لأعمال الامتحانات ، والتي تمنع اشتغال أي من يحال للتأديبية ، أو من يحول لمجرد التحقيق في شأن له علاقة بالأمانة في أداء الامتحانات ..

الضحك جاي ورا ..

ما فعله صحفيو الدستور هو التوجه لمن يهمهم الأمر للسؤال عن ما حدث ، ومعهم قائمة بها بعض الأسماء الكبرى المدانة في التحقيق ، قوبلوا بتجاهل غريب الشكل من أعضاء لجنة التعليم في مجلس الشعب ، والتقوا بالنائب شريف عمر الذي قال أنه "سيتحقق من الموضوع" ، وداخوا السبع دوخات بين المبنى الأحمر والمبنى الأبيض بحثاً عن المستشار الإعلامي للوزير واسمه الدكتور حسن بلاوي (هذا اسمه المكتوب نصاً في الدستور وليس من افتكاس صاحب المدونة) ، والذي قال بعد طول جدال ما معناه : أنا لسة جديد ومعرفش حاجة عن الموضوع دة!

كان ما سبق هو نقل أمين لما نشرته الدستور بالعدد المذكور ، وتستطيع الخروج منه بعدة دروس مستفادة ، أولها دور لجنة التعليم في مجلس الشعب ، والذي قد يصل لدرجة "الراعي الرسمي" للفساد في الوزارة بالصمت الرهيبي ، وثانيها أننا نعيش في عصر المستشارين العظام ، على نمط عصر الوزراء العظام الذي لقنا في المدارس أنه في أواخر الدولة الفاطمية وهناك وزارات معروفة فيها مستشارون هم الكل في الكل والحاكم بمزاج سيادته ، وثالثها ، وبعيداً عن مفهوم الست مروى المطربة الملتزمة الفاضلة لكلمة "مبتعرفش" ، أعتقد من حقنا أن نتساءل : ما هو الشيء الذي لا يعرفه الوزير ، ولا مستشار الوزير؟ أهو الفضيحة ، أم "اللايحة" التي ذكرتهم الصحيفة بوجودها ، وربما كانوا قد نسوها تحت الترابيزة ولا حاجة؟

وكل دة كان ليه؟ أللثانوية العامة التي علمنا النظام التعليمي أنه ما بعد الثانوية من دار إلا الجنة أو النار؟..

يا أمة ..

Wednesday, May 24, 2006

مشيئة الوزارة

بالأمس كان الحدث التاريخي الفارق في حياة نسبة مؤثرة إحصائياً من المصريين ، لقد رأوا - ولأول مرة - وزير التعليم الذي دخل المنصب في أعقاب انتخابات العام الماضي .. لم أكن أتصور أن شعره أسود (ويمكن صابغه).. إلا أنه كسابقيه ، لا يكف عن تكرار الخزعبلات التي عكف من تعاقبوا على كرسيه الوثير على ترديدها ، ومن ضمن تلك الرطانة السمجة "الحرص على تكوين العقل النقدي".. أو حاجة زي كدة..وقد علمتنا ممارسات وزارة التربية والتعليم السابقة أن الوزير لا يعني - حرفياً - كثيراً مما يقول .. وإذا افترضنا حسن النية فهو يقوله .. للتموين!

مسألة العقل النقدي .. الذي يحلل ، ويناقش ، وينقد .. ذكرتني بقصة قصيرة لعمنا أحمد رجب حولت إلى فيلم سينمائي تليفزيوني باسم محاكمة علي بابا ، وقام ببطولته في منتصف الثمانينيات يحيى الفخراني وإسعاد يونس.. ويدور الفيلم عن مطلق تشكو له مطلقته من مشاكل أبنائهما الصغار الثلاثة .. وأحد الثلاثة طالب هددته المدرسة بالفصل على ما أذكر ، لأنه تجرأ وانتقد شاعراً قديماً (البحتري أو أبو تمام) لأنه منافق.. وأسانيد الطالب في ذلك قوية .. ففي الوقت الذي يدرس فيه قصيدة للشاعر المذكور مادحاً كافور الإخشيدي ، وجد في نفس المنهج قصيدة لنفس الشاعر يهجو فيها كافور الإخشيدي فقط لأنه لم يجزل له العطاء.. وعندما جاء الفخراني لمناقشة ذلك الأمر أصر مسئولو المدرسة على أن الطالب ضبط بالجرم المشهود وهو معاداة مشيئة الوزارة..

وقد مررني هذا المشهد المرير إلى فيلم غزل البنات للريحاني ، حين سألت إحدى التلميذات الأستاذ حمام (=الريحاني) : هوة الأسد بيتكلم!.. فرد عليها الريحاني غاضباً : أيوة بيتكلم .. وزارة المعارف العمومية عايزاه يتكلم!

أذكر وقت أن كنت طالباً في الثانوية العامة قبل أحد عشر عاماً أن الوزارة قررت أخذ النخبة المثقفة على قدر عقلها وبدأت تسأل الطلاب في الامتحانات عن آرائهم في نصوص أدبية و في مواقف تاريخية.. ولأن الفكرة ليست جادة فقرروا تنفيذها على طريقة السئيل الذي دعا شخصاً في بيته (تشرب شاي ولا قهوة.. أنا عندي قهوة محوجة معتبرة جايبها من الإمارات.. دي علية القوم هناك بيشربوا منها...) وعندما يقبل الضيف بعد طول خجل وتمنع يقول له السئيل (معلهش أصل البن خلص .. ح أجيب لك كباية شاي!)..واللعبة بسيطة : أدلِ برأيك..لكن حسب الكتاب.. إن قال الكتاب ولا الضالين قل وراءه آمين.. كخ يبقى كخ .. دح يبقى دح.. وشيل الواوا أح!

وعليه .. كان وقتئذ يدرس لي كتاب "شوقي شاعر العصر الحديث" الذي كتبه أحد أعلام الثقافة العربية الراحل الكبير شوقي ضيف ، والذي كان منحازاً طوال الخط لسميه أحمد شوقي ، وفي امتحان آخر العام جاء سؤال عن موقف العقاد من بيت لشوقي (وكراهية العقاد لشوقي معروفة).. ورأيت أن العقاد محق بخبرتي المحدودة .. لكن لا .. لا لا لا لا لا لا اللا (مع الاعتذار لخضرة محمد خضر)..فالكتاب الذي أقرته وزارة التربية والتعليم ، اللي خلت الأسد يتكلم في فيلم نجيب الريحاني ، ينص على أن أحمد شوقي دائماً على حق.. وعليه فمن الصعب أن أقول له لأ..

أنا قلت رأيي ، وجبت على ما أذكر 38 من 50 ، وتلك الدرجة في ذلك الوقت 1995 لم تكن بذلك السوء..

يبقى أن تقليد عزومة المراكبية متبع في مناهج تاريخ الثانوية العامة المعدلة ، ومن العادات المرذولة في مادة التاريخ بالذات سؤال الطالب عن رأيه ، خاصة في المواقف التي لم تتضح فيها مشيئة الوزارة .. وعليه فمن الممكن أن تسأل طالباً عن رأي في واقعة ما في الحقبة الليبرالية فيقول الرأي الذي حفظه له مدرسه الخصوصي الوفدي ليكتشف بعد الامتحان أن مشيئة الوزارة ناصرية حريقة!..

والأكثر ابتذالاً أن السؤال نفسه يأتي بصورة أخرى : ماذا تقول (مثلاً) لمحمد علي بعد معاهدة لندن 1840؟..وربما ينصحك مدرس خبيث بأن تكتب الآتي في ورقة الامتحان : ولما أقول له آه.. يقول لي هو لأ.. يجرحني وأقول له آه .. يقولي برضه لأ.. لأ..لأ..لأ!.. صحيح أن هناك ناصريون ومنتمون للتيارات الدينية مرشقين في وزارة التربية والتعليم .. لكن من المستقر تربيةً وتعليماً على الأقل أن مشيئة الوزارة لا تتضارب- حتى الآن - مع مشيئة روبي!

Monday, May 22, 2006

بارليه فوه أون فرانسيه؟ (2)

اللهم لا شماتة.. لقد وقع فيما يبدو القائمون على التعليم في مصر ضحية مقلب فشر المقلب الذي شربه اتحاد الكرة في المسيو جيلي..وصاحب المقلب هم الفرنسيون مؤلفو كتب الفرنسية الموجهة لطلبة المراحل الثانوية المصرية..

أول استنتاج تخرج به من قراءة تلك الكتب أنها صممت لبلد آخر غير مصر، رغم أنه يفترض أنه في تعليم لغة جديدة ، أن تحاول تقريبها للمتلقي عن طريق استعمال كلمات وأشياء توجد في المجتمع المحيط به.. من الأشياء الغريبة مثلاً أنك تجد مثلاً شيئاً اسمه البطاقة المدرسية ، فيه اسم الطالب وصورته وسنه و...و.... هل هذا الكلام موجود في المدارس الحكومية المصرية يا جماعة الخير؟.. حتى شكل الشهادة الدراسية اللي في المنهج غريب الشكل!..

وحتضحك أكثر لما تشوف قوائم الشراء بالمراسلة في درس يحمل نفس الاسم acheter par correspondance.. شووووو بيعقد!

يا مسيوهات.. كلمونا بالهجايص الله لا يسيئكم.. انتو ما نزلتوش مدارس حكومية قبل كدة؟ ما مشيتوش في أي شارع في المحروسة؟ ولا التعليمجية قرروا تحديد إقامتكم في مدارس الفرير والسانت فاميي؟.. بقى بذمتكم المدارس اللي فيها 60 و 70 طالب في الفصل بتعمل carte scolaire للطلبة بتوعهم؟ يا مثبت العقل والدين ياااااااا رب!

وعلشان ما يتقالش إن احنا سايبين مناهجنا للعلوش الأوغاد يعملوا فيها ما بدالهم من غير ما حد يقول لهم تلت التلاتة كام ، لازم التتش المصري يا جماعة.. في كل امتحان أو نموذج امتحان لازم إجباري زيارة أو افتتاح للسيد طويل العمر يطول عمره ويزهزه عصره وينصره على مين يعاديه (هاي هيء!) .. والغرض من دة فيما يبدو القضاء على أي أجسام مضادة تتولد لدى الطلبة نتيجة الإلحاح المستمر على زيارات سيادته في التليفزيون والإذاعة والبوتاجاز والغسالة.. وعلى سبيل التغيير نجيب افتتاحات السيدة الأولى ، أو أي وزير .. برضه احنا لازم نوعي الطلبة وطنياً وقومياً .. علشان ما يطلعش للطلبة موقف (زي الدمل كدة) ما يعرفوش يخرروه (زائد إن المراهم السودة القديمة ما عادتش بتتطلع)!

أنا مشفق على الطلبة الغلابة من اللي بيتعمل فيهم وفي عقولهم..

يفضل بقين محشورين في الزور : يا تعليمجية ، ياللي بتفخروا بإن عندنا خبراء على أعلى مستوى (الكلمة اللي جابتنا الأرض) ، ياللي بتحفظونا في وسائل الإعلام إنكم الوحاد اللي طورتوا التعليم في العالم.. ليه ما شمرتوش السواعد وجبتوا واحد كدة خبير على أعلى مستوى من اللي بتتعايقوا بيهم وعملتوا مقررات للغات تصلح للاستهلاك الآدمي وتلائم المصريين اللي همة بني آدمين زي الفرنساويين والإنجليز (لولاش انتم) .. ولا حتقولونا : الكدب خيبة .. إحنا أعلى مستوى آه بس مش للدرجة دي!

كشفت راسي ودعيت عليكم يا تعليمجية .. بالعربي والانجليزي وباللغة الفرنسية.. حسبي الله ونعم الوكيل..

خارج الموضوع : وزارة التربية والتعليم من أكثر الوزارات دعاية لنفسها ، ومنظر الوزارة وهي بتقوم بالدعاية لنفسها داخل مناهجها زي منظر اتنين متجوزين من كام عقد من الزمان ومع ذلك بيدلعوا بعض وبيتغزلوا في بعض في الجلسات العامة زي المراهقين.. حاجة تقرف..

Tuesday, May 16, 2006

بارليه فوه أون فرانسيه؟

في العام 1989 كان عمري فقط أحد عشر عاماً..

من عاش العام 1989 وكان وقتئذ طالباً في الثانوية السامة يذكر جيداً السؤال الأسطوري الذي لم يؤت لأحد : تخيل نفسك كرسي أو كنبة أو مش عارف إيه ، واحكي قصة حياتك من ساعة ما اتصنعت ، ومين اللي اشتراك .. و..الخ..

أشعر بأن هذا السؤال تحول إلى لغز يفوق الهدف الشهير لإنجلترا في ألمانيا في نهائي كأس العالم 1966 ، والذي لم يجمع اثنان على مستوى العالم فيما إذا كانت الكرة في ذلك الهدف قد عبرت بكامل هيئتها وهيلمانها خط المرمى أم لا.. اللغز هنا : لماذا قرر واضع السؤال وضعه بتلك الطريقة؟

سيقول قائل : ربما قد تفسخ ذهنه عن تلك الفكرة العبقرية بداعي اختبار قدرة الطلاب على التخيل .. وهذا مردود عليه ، فالعبقري واضع هذا السؤال الجهبذ في تلك الحالة يتمتع بثقافة صفرية (أبيض يا ورد) في المسائل اللغوية ، فمعظم الطلاب في الثانوية العامة ما لم يكونوا قد درسوا في مدارس اللغات لم يتعاملوا مع اللغة الفرنسية إلا ثلاث سنوات فقط ، وهي فترة لا تبدو كافية خاصة في ظل ظروف الدراسة قبل الجامعية في مصر لتجميع هذا الرقم القياسي من المفردات الذي يؤهلك لكتابة موضوع كهذا بمخيلة واسعة.. إن سؤالاً كهذا قد يفشل البعض في حله بشكل جيد لو كان في امتحان للغة العربية !

وقد يقول آخر : إنما وضعه ليتحدى أباطرة الدروس الخصوصية .. ويقول لهم : إذا كنتم تتربحون من تقوية طلابكم في الفرنسية ، نحن أقوى ..وقد أفلح اليوم من استعلى!.. وهذا الكلام مردود عليه ، فلا أستطيع وصف واضع السؤال لو فكر بتلك الطريقة نظراً لضعف حصيلتي في لغة الشوارع وشتائم الملاعب البذيئة!.. وهو يستحقها كلها.. فهذا أسلوب ينم عن سادية شديدة ، ورغبة في إنزال عقاب عنيف بمئات الآلاف من الطلبة لمجرد أن عدداً قليلاً منهم وقتئذ كان يتلقى دروساً خصوصية في المادة.. وزارة التربية والتعليم يفترض بها أنها كذلك ، وليست وزارة التهذيب والتأديب والإصلاح!..

وقد يقول البعض أنها حنكة سياسية من التي تميز بها وزير التربية والتعليم وقتئذ فتحي سرور ، صاحب بدعة وضلالة الدفعة المزدوجة ، ووصف الحنكة السياسية يبدو جديداً خاصة وأنه يرجع لمصطفى بكري رجل المستحيل على رأي زميلنا محمد إلهامي بعد أن وصل -بكري-إلى مبتغاه بالجلوس القرفصائي تحت قبة سيدي مجلس الشعب..(وعليه من الطبيعي أن يكيل بعض المديح لفتحي سرور وزير التعليم الأسبق ورئيس مجلس الشـشـ .....عب!).. وأنا أتفق مع البعض الذي قال بذلك الرأي ، فتلك الحنكة السياسية هي التي ضاعفت من قوة الدروس الخصوصية وأباطرتها وجعلتهم يقتنون الشبح وربما الفيراري.. وجعلت الغش الجماعي شيئاً معتاداً..وجعلت التعليم الفني وجوده زي عدمه .. بقى زي زي زي قلته (مع الاعتذار لطارق عبد الحليم في أغنيته راح وجه) ...

عموماً .. المستفيد الوحيد مما حدث هم مدرسو اللغة الفرنسية الذين راجت سوقهم بعد ذلك السؤال التاريخي ، فهم الآن ملاك الثلاثين درجة خاصة امتحان اللغة الفرنسية (مش عارف إن كانوا دلوقت لسة تلاتين ولا زادوا) ... كل ما يفعلوه هو حقن الطلاب بمفردات اللغة الفرنسية كلها قدر المستطاع كما تحقن الدجاجات بهرمونات النمو.. علشان يعرفوا يكاكوا بالفرنساوي كويس في الامتحان!

عموماً .. ربنا يقدرنا ونتكلم شوية إن عشنا وكان لنا عمر عن مناهج اللغة الفرنسية الحالية ، وكيف أنها أداة للحنكة السياسية البارعة في تقليل شعور الطالب بالحساسية عندما يشاهد الأخبار الرئاسية!

تعليق ختامي:

هناك صيغة سؤال شهيرة في امتحانات اللغة الفرنسية وبالتحديد في سؤال "ماذا تقول بالفرنسية" أو "كيف تقول بالفرنسية":

تطلب من فلان بأسلوب مؤدب أن يدلك على شارع المحطة..

لنفرض أن الوزير الحالي قرر أن يربي حنكته السياسية (زي ما الواحد بيربي دقنه) وحرض واضع امتحان اللغة الفرنسية على إجراء تعديل بسيييييط في صياغة هذا السؤال :

تطلب من فلان أن يدلك على شارع المحطة .. كن أبيحاً!

سنة بالضبط .. وحتلاقي في الجرائد الإعلان دة :

المسيو حصص .. قاهر اللغة الفرنسية..

يعلن عن هدية الموسم لكل طلابه في جميع المجموعات..

حصة صياعة باللغة الفرنسية..

مراجعة على أبذأ أنواع الشتائم والعبارات النابية تستخدمهم مع أي فرنساوي يستخف دم أهله عليك..

مع المسيو حصص وبس .. حتلاقي في جيبك تلاتين درجة ونص!
au revoir!

Tuesday, May 09, 2006

الصورة المشروخة

الجيل الأقدم منا ينعي علينا أننا لا نحترم المدرسين ، ولأنه المبررولوجي -علم التبرير الذي اخترعناه وربما اخترعه أجدادنا الفراعنة الذين كانوا أول من كتب المبررات والشماعات على جدران المعابد (وربما أماكن أخرى) ، فيعلق الجيل الأقدم شماعة نظرة جيلنا للمدرس على الدراما ووسائل الإعلام .. ورأيي الشخصي أنه رغم خطايا الدراما ووسائل الإعلام ، إلا أنها تبدو بريئة إلى حد كبير من نظرتنا للمعلم .. النظرة التي تسبب فيها الساسة ، والمعلمون أنفسهم..

معلم فترة ما بعد فتحي سرور غير معلم ما قبل فتحي سرور .. فقبل تولي السيد الأستاذ الدكتور الجهبذ الحجة كان المدرس مواطنا عادياً ، أقرب إلى الصورة التي كنا نسمعها من آبائنا وأجدادنا ، صورة الرجل المهيب في تواضع ، المعطاء في غزارة ، الأب في شدة و في حنو ، المثقف الفاهم لعمله ومجتمعه .. والراضي جداً بقليله ..

أما بعد السيد الوزير ، صارت الأغلبية من المعلمين .. غير..

فترة فتحي سرور -مع حفظ الألقاب- كانت مثل الانفتاح (الاستهلاكي على رأي اليساريين) بالنسبة لشرائح (معينة) من المجتمع ، الفترة التي بدأت فيها مرحلة الدروس الخصوصية في الاستشراء ، إزاء "الدلع" الذي أبداه الوزير المذكور سلفاً تجاه الظاهرة (فقد كان يعتبر نفسه قد جاء للمنصب من أجل إسعاد المعلم.. أما الطلبة بقى .....)، أصبحت الدروس الخصوصية هي السكة السهلة واللذيذة لأي مدرس في أن يحصل منها ما يزيد على عشرات الأضعاف من مرتبه ، وفي الوقت الذي كانت أعين الضرائب في غفلة عن أنشطتهم في الوقت الذي كانت فيه تستأسد على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ..

كل هذا ولا تتوقعون تغيراً في صورة المعلم..

معلم اليوم -وأتحدث عن الغالبية العظمى بكل أسف - كائن بيروقراطي لزج ، حلق قيمه تماشياً مع آخر قصات الشعر ، يتصور أنه بدبورة ، طلباته أوامر تجاب في الحال ، يسب ويلعن الانحطاط المجتمعي في الوقت الذي تراه أحياناً "يبصبص" لطالباته المراهقات ، ويمزح بشكل سمج مع سكرتيراته اللواتي استقدمهن لزوم التناكة والمظهر الاجتماعي ، بيزنس مان ورغم ذلك يكلبش في ملاليم الحكومة ، ولا مانع من أن يهاجمها عندما تخصم منه أو تخفض من ترقيته .. وتناقض على تناقض تجده يهاجم النظام التعليمي هو الآخر ، رغم استفادته الشخصية منه .. ثقافته ضحلة جداً .. ويقع في أخطاء لغوية مخجلة لا يقع فيها طلبته .. وفوق ذلك كله فهو فهلوي جداً ، يدهن الهواء دوكو ، ويحول كتاب الوزارة المدعوم بأموال دافعي الضرائب إلى مذكرات يكسب منها الشيء الفلاني..

يصعب على الطالب أن يحترم معلماً بهكذا مواصفات خاصة وأنه هو الذي يدفع له (رغم أن المعلم الآن أصبح أغنى من الطالب وذويه وكل مخلوق يتشدد ليه)، ويصعب على من أنهى تعليمه أن يحترمه هو الآخر بعد أن رآه ورأى النظام التعليمي كله على حقيقته..

المعلم الآن صار سمساراً وتاجراً وربما شبه سياسي ، السياسي يبيع لأبناء الدائرة وظائف في شركة إنبي ، أما المعلم فيبيع لأولياء أمور تلامذته حلم الدخول لكليات القمة والمال والنفوذ ، والابتعاد عن كليات القاع ودوري المظاليم وقعدة الشوارع والشغل بالملاليم..
المعلم فقد احترامه بعد أن قرر أن يتحول من "معلم" بضم الميم الأولى إلى "معلم" بكسر الميم الأولى أيضاً.. بعد أن غير الإكليشيه القديم "قم للمعلم وفه التبجيلا" إلى "قوم اقف ياض للمعلم وانت بتكلمه"..
بالمختصر .. صورة المعلم اهتزت كما اهتزت صور فئات كثيرة في المجتمع ربينا على احترامها ، وتربينا هي على عدم احترامها..

Monday, May 08, 2006

المربي .. الفاضل!

هذه القصة حكاها لي من لا أتهم .. وهو شخص يعمل في مركز للكمبيوتر..وبطل القصة موجه مربي فاضل .. كما يحلو للكثيرين من العاملين في الوزارة أن يطلقوا على أنفسهم على سبيل التناكة..وأرويها حرفياً والعهدة على صاحبها :

ذات مرة جاءني السيد الموجه الفاضل ، أنا شخصياً ذهلت لإن لسة له عين ييجي علشان يكتب امتحانات ، بعد الفاصل الرزل اللي عمله معايا ومع زبون في مرة من المرات.. حاولت أمشيه كذا مرة ، ما نفعش .. لزق لي بريحته المنتنة اللي مش عارف مصدرها .. المهم ..

جاب لي-سيادته-سي دي .. وقال لي أشغلهوله .. لأنه - خدوا بالكم - عايز يعمله شريط.. ومش فاهم إزاي الواحد ممكن يعمل السي دي اللي ممكن يحتوي على ملفات نصية امتدادها doc أو html على سبيل المثال شريط.. المهم إني افتكرته عبيط.. وتعززت الفرضية دي عندي لما فتحت السي دي .. اللي عايز يعرف أوله من آخره.. وحبيت أسمعه المحاضرة اللي كانت عليه واديته السماعة .. وافتكرت إني كدة سنجته وخلصت منه .. ودي بقى غلطتي..

فاجئني البيه بسي دي تاني .. ونفس الطلب عنده ، إنه يطلب من صاحب المكتب أو مني إنه أعرفه على أي حد يحول السي دي لشريط فيديو ..ولما فتحت السي دي ذهلت .. وبصيت للمربي الفاضل في هدوء وقلت له :

-انت واثق إنك عايز تفتح السي دي دة؟

-عادي..

-انت متأكد؟

-أيوة أنا عارف ، وشايف كلمة sex عليه..

تخيلوا إن مربي فاضل حاود على الستين من العمر ، لسة بيجيب سي ديهات إباحية ، ودي مصيبة لواحدها ، وإيه كمان ، دة بيصيح ، وفرحان قوي بخبرات البيه اللي عامل له السي دي الإباحي دة .. "الواد فلان دة جن مصور ، دة خطير في (الكمبيوطر)".. طلعت السي دي اللي طلب مني سيادته إني أتصفحه.. وقال لي : حتكتب الامتحان ولا أروح أشوف مكتب تاني؟

مش عايزة فهامة .. المربي الفاضل المحترم جاي يرشيني بسي دي مخل بالآداب .. ونعم التربية .. والتعليم!

المضحك المبكي إني زوغت من المكتب لغاية ما الراجل طهق ومشي ، وعرفت من صاحب المكتب إن المربي الفاضل كان قال له إن معاه سي دي عليه "حاجات عائلية" عايز يعمله شريط فيديو! كل البلاوي دي وحاجات عائلية.. الله يخرب بيوتكم ع الصبح!

انتهت القصة لهذا الحد .. وأترك لكم التعليق كاملاً على هذا المستوى التربوي المرتفع جداً جداً .. لدى المربين الفاضلين المحترمين القدوة ، في زمن التعليم المطور على يد فتحي سرور ومن بعده بهاء الدين والوزير الحالي الذي لا يعرف معظم المصريون اسمه.. وطورني يا جدع!

مقدمة

ينسب لهنريك إبسن أنه قال : العدل والحرية هما أعمدة المدينة ، وفي مصر فإن التعليم والإعلام هما أعمدة التخلف .. هذه حقيقة يستشعرها الكثيرون ممن شخصوا أوجاع هذا الوطن الحزين عن قرب..ويتناساها من يمصمص الشفاة على جيلنا عديم الثقافة عديم المبادئ عديم الأهلية والأهالي والأهلي والزمالك.. وهو لا يعرف أو لا يريد أن يجهد عقله ليعرف أي تعليم ، وأي إعلام عاش هذا الجيل في ظله ، وكون فيه مخازين خبراته وتصوراته عن الأسرة ، والجنس الآخر ، والمدرسة ، والدين ، والآخر ، والوطن ، والدنيا ومن فيها أجمعين..

لن تحتاج لأن ينتهي بك الأمر في الشارع بلا وظيفة ، بعد خروجك من النظام مجهد العقل ، تابع ، خانع ، رافض للتفكير ، بمعلومات مشوشة ، بمدارك مهلهلة .. والساسة وأباطرة الدروس الخصوصية والمستفيدون من نظام التعليم المتخلف في بلادنا ينظرون لك ويضحكون .. كما يضحك القرد الذي باع صاحبه في النكتة الشهيرة..

الشيء المشترك بين من توظف ، ومن لم يتوظف ، أنهم ضحايا نظام التعليم في مصر ، ضحايا التطوير الشكلي (سنة آه وسنة لأ) ، ضحية المناهج المطورة (أمال لو كانت متخلفة كان حصل إيه).. وأشياء أخرى كثيرة..

هذه المدونة مخصصة لتعرية هذا النظام ، وكشفه على حقيقته ، من الحضانة لنهاية التعليم الجامعي.. وهي دعوة لكل من عاين وجرب بنفسه فظائع نظام التعليم الـ (......) أن يدلي بشهادته ، وبتجاربه ، وبحواديته الغريبة إن أمكن ، فكلنا في التعليم .. شرق!