Friday, April 30, 2010

مدارس محترمة

إذا كنت في مصر فاعلم أن كثيراً من الأشياء تستخدم في أي غرض كان إلا الغرض الذي يفترض أن تكون قد صممت خصيصاً من أجله.. وستكتشف كم ينطبق ما ذكرت على المدرسة .. افتح فقط أي برنامج حواري يعرج على سبيل فك الزهق على شئون التعليم في مصر ستجده يتحدث عن نظافة المدرسة وجولات السيد الوزير واعتصامات المعلمين و..و..إلا التعليم..

يوجد مثل إنجليزي شهير جداً يقول : no news..good news..أي أنه طالما لم نسمع عن مشكلة هنا أو هناك فالأمور مية مية مثل فراخ الجمعية .. لن أسأل هنا عن المدارس التي تحتل أماكن على صدر صفحات الصحف الأولى لصحف المال السياسي بقلقها وقلاقلها.. بل على الذين تسير الأمور لديهم على ما يرام..بالبلدي : الناس اللي في المدارس الهادية الطيبة الحلوة اللي بتسمع الكلام بتتعلم إيه؟

1-أهم شيء يمكن أن تتعلمه في المدارس المصرية حالياً هو الاحتكام إلى قانون الشارع.. وللشارع كما لا يريد الكثيرون أن يعلموا قانون به عدد كبير من المواد والقيم التي تولي مكانة رفيعة لاستخدام "الدراع" في الحصول على أي حق ، أو باطل حتى ، وفي الانصياع لإرادة الأغلبية أياً كانت ، وفي التشلل - الانضواء تحت لواء أي شلة أياً كانت داخل محيط الفصل أو المدرسة أو ..أو..والسبب أن الدنيا لا تعترف عادةً لا بالضعيف ولا بالمؤدب.. وليس فيها مكان لأي منهما..

وأهم قيمة على الإطلاق هو قيمة "الاحترام" بمعناها الشوارعي .. كما لخصتها لعبة GTA في نسختها الثانية : Respect is everything..تقعد باحترامك مطيع طيب كميل حتبقى فترة الأوبرج بالنسبة لك نعيماً مقيماً.. غير كدة يا حلو تستاهل كل اللي حيجرالك..والاحترام طبعاً طبقاً لقانون الشارع غير المكتوب يكون للأقوى .. أياً كان سنه ، وحجم قوته.. والاحترام يمكن وصفه بأنه عملية إبدالية وليس تبادلية.. أي يمكن للطالب أن يفرض احترامه على زميله ، أو على مدرسه ، ويمكن للمدرس أو للناظر أن يفرض احترامه على الطلاب ، أو على المدرسين.. لكن لا يمكن لأي من هؤلاء أن يحترم بعضهم بعضاً..إلا من رحم ربي..

2-الشيء الثاني الذي ستتعلمه حتماً هو اللغة .. بعيداً عن اللغات التي يعلمها لك منهج التعليم الرابسوماتيكي .. فإنك ستتعلم لغة أخرى جديدة كانوا يقولون لنا في البيوت أنها والعياذ بالله "قلة أدب".. وستكتشف تدريجياً أن تلك اللغة "البذيئة" هي الوسيلة الأمثل للتواصل مع العالم المحيط ، وتؤدي نفس وظائف "اللغة التقليدية" بشكل أفضل وأكثر دقة.. وتملك قوة تعبيرية ومرونة فائقة في استخدامها.. قبل دخولي الثانوي لم يدر بأقصى خيالاتي شراً أن أسمع أناساً يمزحون مع بعضهم بسباب الدين والأم.. وإذا كان هناك من قال في وقت سابق بأن "الرجولة أدب".. فيرد عليه بالقول بأن الدنيا حالياً صارت لـ(الـ....)!

وقلة الأدب داخل المدارس المحترمة أشبه بعلاقة البيضة والدجاجة في تحليلها.. فلا تعرف من الذي بدأ بقلة الأدب أولاً.. ولأن البادئ أظلم فلا تعرف من هو الظالم من المظلوم..

قد يتهمني البعض بالتحامل ، وقد يتهمني بأنني أتحدث عن خبرتي أنا عن المدارس .. لكن مما أسمعه وأعايشه لم تختلف الأمور كثيراً ، بل صارت أكثر سوءاً.. ولكنه ليس هذا النوع من السوء الذي يستلزم أن يكتب عنه في مقال صحفي أو يهز مراسل برنامج توك شو طوله من أجل تسليط الضوء عليه .. ويبدو أن هناك "راحة مجتمعية" وليس فقط "راحة إدارية" للإبقاء على هذه الأمور كما هي (عيش عيشة أهلك ..حتنهب؟ كل الناس كدة وكل العالم من حواليك كدة)..

ثم تقوم الدنيا ولا تقعد عندما تخرج الأمور عن قيد السيطرة ، لتتحول إلى خبر هنا أو فضيحة هناك.. إما أن تكون فضيحة مسخسخة يصعب على أي شخص السكوت عنها أو عليها ..وإما أن تكون فضيحة مُصَنَّعة قصدها تسليط الضوء على تجاوز يحدث في مكان ما لمجرد أنه يحدث في المكان الما رغم حدوثه في كل مكان.. كإنه هنا عيب وهناك عادي.. فاهمين طبعاً..وطبعاً نمصمص الشفاة على حال التعليم زمااان.. وترى شاباً هنا أو هناك يصغرني بعشر سنوات على الأقل يتحدث عن التعليم في الأربعينات والخمسينات والستينات (اللي ما لحقاش ولا أنا لحقتها) وأيام "رفاعة الطهطاوي" (الله يرحمك يا طهطاوي.. ويخليك لينا يا "زكي جمعة")..

هذه هي معايير "الاحترام" لدينا.. هل تتوقعون أن يتغير التعليم إذا كانت معايير "الاحترام" لدينا ، ولدى صناع القرار على حد سواء معايير غير محترمة أصلاً؟

Sunday, April 25, 2010

محافظة المنصورة

إحدى أطرف الطرائف التي يتبادلها الدقهلاويون أمثالي هذه الأيام سقطة غريبة للبريمادونا التي لا تعرف أن في مصر شيئاً اسمه "محافظة الدقهلية".. واصفةً إياها بالاسم الذي تعرفه "محافظة المنصورة".. فما كان من أحد قراء الصحف إلا أن أرسل لبريد صحيفة ما تصحيحاً لهذا الخطأ المضحك المهين*..

قد أقبل هذا الخطأ من مراسل أجنبي لا يعرف العربية بالمرة ، ويمكن لأي طفل صغير استغفاله واشتغاله ، أو من شخص مثل "أندرو ميتشل" الطاهي الكندي من أصول مصرية الذي يظهر مع "دارين الخطيب" على قناة "فتافيت" ،ويتحدث هو الآخر عربية مضروبة بالنار .. لكن من الصعب أن أقبله من أي إعلامي مصري ، خاصةً من يعمل في المجال الخبري ويفترض به أن يعرف الحد الأدنى من المعلومات عن دولته.. إن كان صحفيو "الحزبوطني" يتهكمون على "البرادعي" قائلين أنه لا يعرف أسماء المحافظات في مصر ، فماذا سيقولون إذا كان في مصر إعلاميون داخل الصحف المسماة بالقومية وصحف المال السياسي لا يعرفون أسماء بعض المحافظات ولا عواصمها!

الواقع الأمر أن نسبة من خريجي التعليم الرابسوماتيكي لا يعرفون فعلاً الشيء الكثير عن محافظات مصر ولا عددها ، وربما إن ذهبنا إلى الشارع ودردشنا مع كثير منهم وسألناهم عن المحافظات المجاورة لمحافظتهم فسنستمع إلى فضائح مضحكة.. والأنكى أني سألت أحدهم قبل سنوات فقال لي وببرود : "وأنا حيهمني إيه لو أعرف اسم محافظتي إيه ولا المحافظة اللي جنبي"؟

يذهلني هذا التنحيس الفكري ، والاستخفاف الشديد بمعرفة معلومة هامة "قد" تنفع الشخص وقد يحتاج لها أمر الحاجة ، تنحيس تختفي معه حمرة الخجل عندما يسأله شخص سؤالاً تافهاً عن مدينة أو قرية بجانب مدينته أو قريته فلا يجد إجابة.. يذهلني وجود أشخاص يرفضون التعلم ويرفضون العلم ولو من باب العلم بالشيء..قلة اهتمام.. قلة انتماء .. شعور فاضح بتضخم الأنا وعيش دور "عم الكومندا المهم بالقوي".. الله أعلم..

صدقوني.. لن يجد هؤلاء أي إجابة مقنعة عن هذا السؤال : لماذا يعرف الأمريكي أسماء ولايات بلده الخمسين ، بينما يعجز بعض المصريين عن تسميع أسماء المحافظات التي درسوها في مناهج تعليمهم وامتحنوا فيها وتقدموا في تعليمهم سنة بحفظها غيباً؟..تذكروا.. كل هذا الكلام عن أسماء المحافظات المصرية.. لم أطمع حتى في الحد الأدنى من المعرفة العامة بالشخصيات المصرية أو حتى بالتاريخ المصري!

أتمنى من هؤلاء -إعلاميين وعامة ناس- ألا يثيروا غضبي بمصمصة الشفاة على حال بلد لا يعرفون عنه أي شيء .. وأتمنى من القائمين على التعليم ، ومن يهمهم أمره ، أن يفكروا في إيجاد حل يجعل الطلاب الحاليين - اللي يمكن توسيع مداركهم بعد الفشل مع السابقين- أكثر اهتماماً بمعرفة بلادهم.. لا لرزع معلومات في امتحان يتم الاستغناء عنها بعده .. ولكن كشيء يشبه مهارة القراءة والكتابة تبقى مع المواطن حتى وفاته..وسمعني سلام : ماشربتش من نيلها! :(
* نشرت ويكيبيديا أن "منى الشاذلي" أصلاً من "ميت غمر".. لو فرضنا صحة المعلومة فسيصبح الخبر مسخرةً مضاعفة.. وإن كانت معلوماتي تؤكد أن معظم الشاذليين منايفة ، ويقال أن هناك صلة قرابة مع البرلماني الحزبوطني المخضرم جداً "كمال الشاذلي"..والله أعلم..

Tuesday, April 20, 2010

ليه السما زرقا؟

في الصغر يعد هذا السؤال سؤالاً غرضه البلاغي الاستفهام.. وفي الكبر يعد سؤالاً غرضه البلاغي الاستنكار.. وفي كلتا الحالتين ستجد ألفاً ممن ينكرون عليك هذا السؤال..

ففي طفولتك .. أول ما تسمع هو عبارة "لما تكبر حأبقى أقول لك".. بعد أن يبدي قائل العبارة الأخيرة امتعاضه من مستوى اللماضة المرتفع الذي وصل له أطفال هذه الأيام .. رغم أن الأطفال منذ الأزل يسألون أسئلة كهذه .. وفي شبابك وربما في هرمك تسمع- بعد قهقهات السخرية المعتادة - فاصلاً من التساؤلات والتعليقات التهكمية التي تستغرب من أن إنساناً طبيعياً مكتمل القوى العقلية يسأل عن شيء بديهي .. فكل الناس منذ خلق الله الأرض وأرسل آدم عليه السلام من الجنة إليها ترى السماء زرقاء ، لم تراها يوماً ما خضراء أو فوشيا مثلاً..وبالتالي فإن زرقة السماء أمر مسلم به ولا يجدي -من وجهة نظر المتهكمين طبعاً- السؤال عن سببه فهو لا يهمك .. ولا استنكاره فاستنكارك لن يفعل شيئاً بها..(وبعدين زراق السما عاملك إيه يا فالح؟..عيل سيسي بصحيح)!

زرقة السماء أحد نواميس الكون التي وضعها الله عز وجل، وصاغها كما صاغ كل شيء بتوازن علمي فائق الإحكام ، وبحسابات معجزة الدقة .. وعن نفسي أرى أن منظر زرقة السماء يعجبني .. وبالتالي ليست لدي حاجة عقلية ولا فكرية لتغيير لون السماء إلى اللون التيريكيواز.. وليست هي موضوع هذه التدوينة في ذاتها.. لكن الموضوع الحقيقي هو أن هناك آلاف الأشياء جعلت منها عقولنا نواميس كونية لا يجدي السؤال عنها أو مجرد التفكير فيها..

مثال بسيط..لن أسأل عن السبب الذي ترى من أجله عادةً أبناء أساتذة الجامعات أساتذة جامعات ، صحيح أن كثيراً من الناس يعامل الموضوع معاملة زرقة السماء (هوة انت حتصلح الكون) .. لكن ما يعنيني أكثر هو لماذا يصبح الطالب المتفوق أستاذاً جامعياً بحكم تفوقه العلمي فقط ، حتى ولو كان عاجزاً عن توصيل أي معلومة لـ"النِمَر"- باعتبار أن الطلاب في النظام التعليمي المصري هم مجرد أرقام وليسوا بشراً- الذين يدرسون تحت يده .. إلى أن وصلنا بحمد الذي لا يحمد على مكروه سواه إلى الدرجة التي نجد فيها مستوى أي من هؤلاء مساوياً لمستوى ابن الدكتور أستاذ الجامعة بشهادة الميلاد (واللي مالوش فيها)؟ أليس لتوصيل المعلومة أصول؟ أم أنه في الجامعات التي يتعلم فيها الطلبة أصول التفكير العلمي يتم التعامل مع الأمر بكل هليهلية وهلهلة؟

غيره.. لماذا بعد أربع عشرة سنة من إطلاق سراحي من التعليم الثانوي إلى الجامعة بقي كتاب اللغة الفرنسية على حاله كما هو بلا تغيير؟ هل ذلك انعكاس لحالة السليق والحريق التي يعيشها التعليم المصري منذ ما قبل ولادتي بقليل.. إما أن يتم الإبطاء في تغيير المناهج بسرعة السلحفاة أو أن يتم تغييرها بشكل دوري بسرعة الصاروخ؟ أم أن الجهابذة لا يرون ضرورة واضحة لتغيير المنهج الذي "حمض" وانتهت صلاحيته؟ أم أن الفرنسيين الذين اتفقنا معهم على الموضوع عملوا لنا عملاً سفلياً؟

لماذا أشعر أن هذه المناهج ليست موجهة لتعليم مصريين لغة أجنبية قدر ما هي موجهة أحياناً لتعليم الأجانب؟.. فمناهج تعليم اللغات تريني أشياءً كثيرة عن حياة الأجانب وليس عن حياتي باللغة الأجنبية.. كما لو كنت جالساً في مدرسة في أوروبا و"لابس البرنيطة" قائلاً "تشتري كالب" كما في إكليشيهات الأجانب في الدراما المصرية؟ والأغرب: لماذا أرى روحاً سياحية هفهافة على تلك المناهج وأسئلة امتحاناتها ، ويجد الطالب نفسه مطالباً بأن يحدث صديقه الفرنسي (دايماً فرنساوي بما إن فرنسا هي الدولة الوحيدة بالصلاة ع النبي اللي بتتكلم فرنساوي) في اللغة الفرنسية عن أبو الهول والأهرامات وخلافه؟ الغريب أن تلك ، بالإضافة إلى الصحراء والجمل ، هي معلومات شريحة كبيرة جداً من الأجانب عن مصر..خصوصاً الأجانب الذين لا يزورون شرم الشيخ :)

هل لكثرة عدد الطلاب في الفصول كل هذا التأثير المتوحش على التعليم في مصر؟ هل تعوق (وحدها) عملية إعداد المعلم بشكل طبيعي؟ أم هي حجة البليد؟ هل لو قل عدد الطلبة في الفصول أو في السكاشن سيتحسن مستوى التعليم؟ ولاهو مجرد كلام والسلام؟

لماذا يطبع مدرسو الدروس الخصوصية مذكرات متشابهة لدرجة التطابق في المواد التي يدرسونها من برة برة؟ ولماذا يقبل الطلاب وأولياء الأمور عليها وهم يعرفون ذلك تماماً؟ ولماذا توافق الوزارة حتى الآن على طباعة الكتب الخارجية وهي تعلم جيداً جداً أنها نسخ كربونية من كتاب الوزارة الحكومي؟

السماء تعجبني زرقاء.. لكن ما سبق لا يدخل عقلي ولا أقبله ..ومن حقي أن أسأل عن سبب وجوده وأن أستنكره وأرفضه ولا أقبله .. فهو "ضاد جيم" إن لم يكن "ضاد ضاد" بالنسبة لي كمواطن حتى ولو كان بالنسبة لآخرين من نواميس الكون يُقَابَل السؤال عنها وفيها بكل هذا الكم من الاستغراب والاستنكار..

Friday, April 16, 2010

زيارة السيد الوزير

جاء رافعاً سيفه هذه المرة..

لدى الكثيرين منا حساسية عارمة ضد السيوف ، وقد لا يجدون مبرراً واحداً لما فعله إبان زيارته لمدرسة "عمر بن الخطاب" .. ثم لمدرسة الخلفاء الراشدين.. بما قاله من ألفاظ أساءت الكثيرين (سيلي الحديث عنها لاحقاً) ومعاقبته لمدرسين وإداريين بالمدرسة سالفة الذكر.. ثم تراجعه عن معاقبتهم تحت ضغط وإرهاب صحافة المال السياسي والحزبوطني المتحالفة مع عضو نافذ بأمانة الحزبوطني.. بل ووصول الأمر إلى صرف "مكافأة" شهر للعاملين بالمدرسة!

ولكن..

1-ولكني أرى أن جزءاً كبيراً من عنف ردود الأفعال مرجعه شخص الوزير .. لا أكثر ولا أقل.. وكان حرياً بالأقلام التي انتقدته أن تنتقده على شيء يستحق الانتقاد بحق وحقيق ، مثل مسارعته بعد فترة قصيرة جداً من توليه بإعلانه عن "تعديل" في نظام الثانوية العامة.. غير مستفيد من الجرائم التي وقعت في عهد وزراء سابقين يطبل لهم كتبة الأعمدة حتى تتورم أياديهم..تخيلوا أنني لم أر عموداً أو قلماً واحداً تناول ذلك الموضوع بالمرة!

لا ينسى أحد للوزير السابق تاريخه في جامعة "عين شمس".. فقط تخيلوا أن أي شخص .. "عبده زكي جمعة" مثلاً كان الوزير .. وأن "زكي جمعة" لم يكن وزيراً ولا خفيراً..

2-أول حجة استند لها المهاجمون هي الألفاظ التي استعملها السيد الوزير أمام الكاميرات ووسائل الإعلام والتي استخدمها ضد "قدوات" و "مربين أفاضل" بحسب ما ورد في حلقة برنامج "منى الشاذلي" وقتئذ .. المذهل أن تلك اللغة ،وأسوأ منها ، تعلمناها في المدارس على يد هؤلاء القدوات وعلى يد هؤلاء الطلاب .. من ألفاظ بسيطة إلى شتائم مركبة بالأب والأم والعائلة والدين..ما هو الفرق بين الشتيمة أمام الكاميرا والشتيمة من ورائها إذن؟

3-نعم كتبت في وقت سابق منتقداً الزيارات إياها ..ولا زلت على قناعتي .. وبالذات تلك التي يتم فيها "تستيف" كل شيء أمام الوزير والرأي العام .. مقاعد نظيفة يتم استقدامها قبل الزيارة ببضع ساعات ، وتنظيف للمدرسة النظيفة المنتجة المش عارف إيه ، وأجهزة كمبيوتر على أعلى مستوى يتم استعارتها من أقرب سايبر ، وذلك بناء على إشارة من "العصفورة" التي تتواجد دائماً في مكتب مسئول كبير في مكتب هذا الوزير أو ذاك ، ترسل رسالة نصية سريعة إلى إدارة المدرسة من عينة "خبي ديلك يا عصفور انتو اللي عليكو الدور" ..والكاميرا تصور .. والوزير "هههههههه" وكان الله بالسر عليماً..

تخيلوا لو كانت الزيارة المشار إليها تمت في غير وجود الميديا - وهذا ما أتمناه عن نفسي - كان سيعجب ذلك الميديا؟ عن نفسي كان ذلك سيعجبني جداً ، وستعجبني أكثر العقوبات التي أراها مستحقة جداً جداً..

4-فمشكلة الكثيرين من المنتقدين أنهم جالسون على مقاعد وثيرة في مكتب مكيف في قمة برج عاجي ، ولا يعرفون ولا يجربون الجبروت التي يتسم به الموظفون الإداريون في عدة وزارات بينها التربية والتعليم نفسها.. وهم ينافسون موظفي وإداريي المستشفيات في التعامل مع البسطاء كجنرالات حرب مع أسرى جيوش الأعداء ، لا تهمهم آدمية الشخص البسيط ، ولا يأبهون للنظام ولا للقانون ولا للتعليمات التي هي شيء شبه مقدس في الثقافة البيروقراطية المصرية .. "مش عاجبك اخبط راسك في الحيط وخلي الوزير واللي فوق الوزير ينفعك".. فقط أكرر ما قلته عنهم بالحرف الواحد في التدوينة السابقة:

حتى "يسري الجمل" .. كان وزير التعليم أشبه بالوالي "العثماللي" .. شخص ظريف لطيف يأتي إلى مصر بفرمان من الباب العالي ، ليقضي وقتاً ما يعلم بيه إلا ربنا مع المماليك .. ومشكلة المماليك أنهم أقدم في مصر ، ويعرفون عنها الشاردة والواردة ، بعكس الحبظلم الذي لا يعرف سوى "حظرتنا" و "أفانظيم" وغيرها من إكليشيهات الأتراك في الدراما المصرية.. وبالتالي بدأ الأمر بـ"عمل شغل" مع الباشا التركي طوال فترة إقامته في المحروسة ، وانتهى إلى "عمل شوربة" على الباشا التركي حتى وصل الأمر إلى إزاحته تماماً كما فعل ذات يوم "علي بك الكبير"..

وعليه.. فإن أبسط شيء يفعله المواطن العادي الذي يتعرض لتلك الأشياء أن يتقدم بشكوى إلى "المستوى الأعلى" سواء وكيل وزارة أو الوزير نفسه .. وحتى من أسعده الحظ بعدم الوقوع في مواجهات مع الجنرالات الصغار ، فإنه يشاهد يومياً مشاهد وصوراً وملفات في الصحف والفضائيات عن مهازل يندى لها كل جبين خجلاً .. كتلك التي سجلها برنامج "القاهرة اليوم" في إحدى المدارس في سيناء.. في مكان ناءٍ لا تصل إليه أبصار قادة الرأي العام الجالسين على "لاب توب" وبجانبهم "شفشق" الكابوتشينو!

لا أعتقد أن أي وزير - رابسو كان أم غيره - سيقبل على نفسه أن يتحول إلى "شوربة ونقنقة" ماركة "أندرو ودارين" .. ومن حقه أن يرى فيمن يفترض بهم تنفيذ سياساته - صحيحة كانت أم خاطئة- طاعة ورغبة في "سماع الكلام" -حتى ولو كان "أي كلام"- لا أن يعاملوه معاملة المماليك للحبظلم..

إذن .. أرى - من واقع أسلوب تعامل هؤلاء مع عامة الناس عديمي الظهر والواسطة والاتصالات ، ومن واقع تعاملهم مع كل الرابسوهات السابقين -أنهم يستحقون تماماً ما فُعِل بِهِم بالحرف الواحد..فأي وزير قد يضع سياسات مضحكة للتعليم ونظامه ، لكن هؤلاء هم من يدير لعبة الغش الجماعي والفساد التعليمي على أرض الواقع..أي وزير قد يصدر تعليمات غبية عن المدرسة النظيفة الممنتجة المؤدبة .. أما هؤلاء فكما تقول العبارة الحوارية في مسلسل "ريا وسكينة" : "ماشيين بكيفهم" ..اللي بنشوفه وبنكتب عليه بقالنا أربع سنين..وتيجي تكلمهم : "من كام سنة وأنا مسنود مسنود .. بالبيه (=الصحفي) والباشا (=عضو الحزب و/أو البرلمان) أنا كدة فري جود"..

ومحدش- بالله عليكم- يكلمني عن الإمكانيات والمرتبات وبلح الأمهات.. فمن هؤلاء أيضاً من فشل في دول الجاز .. التي تدفع مرتبات تفوق مرتباتهم .. وهناك "يمشون على العجين ما يلخبطهوش" لأنه بجانب الجزرة توجد عصا كبيرة وغليييييظة آخر حاجة..

5-أقدر تماماً وأحترم ما نشره الزميل العزيز "د. سيد مختار" نقلاً عن الكاتب الصحفي "أكرم القصاص" بشأن الزيارة.. لكني أختلف معه في فكرة أن المسألة مسألة نظام ومناهج فحسب .. المسألة لها محورين .. محور أول يعتمد بالفعل على النظام والمناهج وإدارة العملية التعليمية .. والمحور الثاني لا يغفل أن وزارة التربية والتعليم كيان حكومي .. وأن هذه السياسات لن ينفذها الوزير بيديه .. بل هناك جيش من الموظفين سيقوم بتنفيذها على أرض الواقع .. وأن الإدارة هرم .. وأن الوزير -حيا الله- في مكان مرتفع نسبياً على ذلك الهرم ، بينما قاعدة وأساس الهرم هي في الأسفل .. وأنه لسنوات طويلة نجح وكلاء الوزارات بالتعاون مع "آخرين" سبق ذكرهم في حبس كل رابسو على كرسيه ، وفي جعله يعشقه ويموت فيه ، فيخرج على الناس من مكتبه المكيف ليخبرهم عن "إصلاحات" مزعومة وتطويرات موهومة ويطلب من الناس "مشاركته المجتمعية" في تطبيقها دون أن يأمر موظفيه بذلك..ثم يقوم بعمل مؤتمر قومي لتطوير المحروسة الننوسة الكبنوسة الثانوية السامة.. تاركاً "اللي يحصل يحصل" في "دعم الكتاب المدرسي" وعلقة الموت التي يحصل عليها المأسوف على شبابه الغض بعلم كبار وصغار مسئولي الوزارة .. علماً بأن كل شيء سيتم نسيانه وطيه في دولاب الكتمان عندما يتم تطبيق نظرية "خد الفلوس واسكت" ..

باختصار .. لست مع ألفاظ السيد الوزير .. ولا كاميرات السيد الوزير .. لكني ضد الجنرالات الصغار بكل ما أوتيت من قوة ، همة واللي يتشدد لهم ومن يصنع منهم أبطالاً على جثث البسطاء والغلابة.. وسيتغير موقفي ضد الرجل تماماً إن استسلم لهؤلاء وللأقلام التي تدعمهم و"طلقهم" علينا كما فعل سابقوه.. فالمماليك شركاء الرابسوهات في قتل القتيل.. ويمشون معهم جنباً إلى جنب في جنازته.. عذراً للإطالة وآسف على الغيبة ودمتم جميعاً بألف خير..