Friday, April 16, 2010

زيارة السيد الوزير

جاء رافعاً سيفه هذه المرة..

لدى الكثيرين منا حساسية عارمة ضد السيوف ، وقد لا يجدون مبرراً واحداً لما فعله إبان زيارته لمدرسة "عمر بن الخطاب" .. ثم لمدرسة الخلفاء الراشدين.. بما قاله من ألفاظ أساءت الكثيرين (سيلي الحديث عنها لاحقاً) ومعاقبته لمدرسين وإداريين بالمدرسة سالفة الذكر.. ثم تراجعه عن معاقبتهم تحت ضغط وإرهاب صحافة المال السياسي والحزبوطني المتحالفة مع عضو نافذ بأمانة الحزبوطني.. بل ووصول الأمر إلى صرف "مكافأة" شهر للعاملين بالمدرسة!

ولكن..

1-ولكني أرى أن جزءاً كبيراً من عنف ردود الأفعال مرجعه شخص الوزير .. لا أكثر ولا أقل.. وكان حرياً بالأقلام التي انتقدته أن تنتقده على شيء يستحق الانتقاد بحق وحقيق ، مثل مسارعته بعد فترة قصيرة جداً من توليه بإعلانه عن "تعديل" في نظام الثانوية العامة.. غير مستفيد من الجرائم التي وقعت في عهد وزراء سابقين يطبل لهم كتبة الأعمدة حتى تتورم أياديهم..تخيلوا أنني لم أر عموداً أو قلماً واحداً تناول ذلك الموضوع بالمرة!

لا ينسى أحد للوزير السابق تاريخه في جامعة "عين شمس".. فقط تخيلوا أن أي شخص .. "عبده زكي جمعة" مثلاً كان الوزير .. وأن "زكي جمعة" لم يكن وزيراً ولا خفيراً..

2-أول حجة استند لها المهاجمون هي الألفاظ التي استعملها السيد الوزير أمام الكاميرات ووسائل الإعلام والتي استخدمها ضد "قدوات" و "مربين أفاضل" بحسب ما ورد في حلقة برنامج "منى الشاذلي" وقتئذ .. المذهل أن تلك اللغة ،وأسوأ منها ، تعلمناها في المدارس على يد هؤلاء القدوات وعلى يد هؤلاء الطلاب .. من ألفاظ بسيطة إلى شتائم مركبة بالأب والأم والعائلة والدين..ما هو الفرق بين الشتيمة أمام الكاميرا والشتيمة من ورائها إذن؟

3-نعم كتبت في وقت سابق منتقداً الزيارات إياها ..ولا زلت على قناعتي .. وبالذات تلك التي يتم فيها "تستيف" كل شيء أمام الوزير والرأي العام .. مقاعد نظيفة يتم استقدامها قبل الزيارة ببضع ساعات ، وتنظيف للمدرسة النظيفة المنتجة المش عارف إيه ، وأجهزة كمبيوتر على أعلى مستوى يتم استعارتها من أقرب سايبر ، وذلك بناء على إشارة من "العصفورة" التي تتواجد دائماً في مكتب مسئول كبير في مكتب هذا الوزير أو ذاك ، ترسل رسالة نصية سريعة إلى إدارة المدرسة من عينة "خبي ديلك يا عصفور انتو اللي عليكو الدور" ..والكاميرا تصور .. والوزير "هههههههه" وكان الله بالسر عليماً..

تخيلوا لو كانت الزيارة المشار إليها تمت في غير وجود الميديا - وهذا ما أتمناه عن نفسي - كان سيعجب ذلك الميديا؟ عن نفسي كان ذلك سيعجبني جداً ، وستعجبني أكثر العقوبات التي أراها مستحقة جداً جداً..

4-فمشكلة الكثيرين من المنتقدين أنهم جالسون على مقاعد وثيرة في مكتب مكيف في قمة برج عاجي ، ولا يعرفون ولا يجربون الجبروت التي يتسم به الموظفون الإداريون في عدة وزارات بينها التربية والتعليم نفسها.. وهم ينافسون موظفي وإداريي المستشفيات في التعامل مع البسطاء كجنرالات حرب مع أسرى جيوش الأعداء ، لا تهمهم آدمية الشخص البسيط ، ولا يأبهون للنظام ولا للقانون ولا للتعليمات التي هي شيء شبه مقدس في الثقافة البيروقراطية المصرية .. "مش عاجبك اخبط راسك في الحيط وخلي الوزير واللي فوق الوزير ينفعك".. فقط أكرر ما قلته عنهم بالحرف الواحد في التدوينة السابقة:

حتى "يسري الجمل" .. كان وزير التعليم أشبه بالوالي "العثماللي" .. شخص ظريف لطيف يأتي إلى مصر بفرمان من الباب العالي ، ليقضي وقتاً ما يعلم بيه إلا ربنا مع المماليك .. ومشكلة المماليك أنهم أقدم في مصر ، ويعرفون عنها الشاردة والواردة ، بعكس الحبظلم الذي لا يعرف سوى "حظرتنا" و "أفانظيم" وغيرها من إكليشيهات الأتراك في الدراما المصرية.. وبالتالي بدأ الأمر بـ"عمل شغل" مع الباشا التركي طوال فترة إقامته في المحروسة ، وانتهى إلى "عمل شوربة" على الباشا التركي حتى وصل الأمر إلى إزاحته تماماً كما فعل ذات يوم "علي بك الكبير"..

وعليه.. فإن أبسط شيء يفعله المواطن العادي الذي يتعرض لتلك الأشياء أن يتقدم بشكوى إلى "المستوى الأعلى" سواء وكيل وزارة أو الوزير نفسه .. وحتى من أسعده الحظ بعدم الوقوع في مواجهات مع الجنرالات الصغار ، فإنه يشاهد يومياً مشاهد وصوراً وملفات في الصحف والفضائيات عن مهازل يندى لها كل جبين خجلاً .. كتلك التي سجلها برنامج "القاهرة اليوم" في إحدى المدارس في سيناء.. في مكان ناءٍ لا تصل إليه أبصار قادة الرأي العام الجالسين على "لاب توب" وبجانبهم "شفشق" الكابوتشينو!

لا أعتقد أن أي وزير - رابسو كان أم غيره - سيقبل على نفسه أن يتحول إلى "شوربة ونقنقة" ماركة "أندرو ودارين" .. ومن حقه أن يرى فيمن يفترض بهم تنفيذ سياساته - صحيحة كانت أم خاطئة- طاعة ورغبة في "سماع الكلام" -حتى ولو كان "أي كلام"- لا أن يعاملوه معاملة المماليك للحبظلم..

إذن .. أرى - من واقع أسلوب تعامل هؤلاء مع عامة الناس عديمي الظهر والواسطة والاتصالات ، ومن واقع تعاملهم مع كل الرابسوهات السابقين -أنهم يستحقون تماماً ما فُعِل بِهِم بالحرف الواحد..فأي وزير قد يضع سياسات مضحكة للتعليم ونظامه ، لكن هؤلاء هم من يدير لعبة الغش الجماعي والفساد التعليمي على أرض الواقع..أي وزير قد يصدر تعليمات غبية عن المدرسة النظيفة الممنتجة المؤدبة .. أما هؤلاء فكما تقول العبارة الحوارية في مسلسل "ريا وسكينة" : "ماشيين بكيفهم" ..اللي بنشوفه وبنكتب عليه بقالنا أربع سنين..وتيجي تكلمهم : "من كام سنة وأنا مسنود مسنود .. بالبيه (=الصحفي) والباشا (=عضو الحزب و/أو البرلمان) أنا كدة فري جود"..

ومحدش- بالله عليكم- يكلمني عن الإمكانيات والمرتبات وبلح الأمهات.. فمن هؤلاء أيضاً من فشل في دول الجاز .. التي تدفع مرتبات تفوق مرتباتهم .. وهناك "يمشون على العجين ما يلخبطهوش" لأنه بجانب الجزرة توجد عصا كبيرة وغليييييظة آخر حاجة..

5-أقدر تماماً وأحترم ما نشره الزميل العزيز "د. سيد مختار" نقلاً عن الكاتب الصحفي "أكرم القصاص" بشأن الزيارة.. لكني أختلف معه في فكرة أن المسألة مسألة نظام ومناهج فحسب .. المسألة لها محورين .. محور أول يعتمد بالفعل على النظام والمناهج وإدارة العملية التعليمية .. والمحور الثاني لا يغفل أن وزارة التربية والتعليم كيان حكومي .. وأن هذه السياسات لن ينفذها الوزير بيديه .. بل هناك جيش من الموظفين سيقوم بتنفيذها على أرض الواقع .. وأن الإدارة هرم .. وأن الوزير -حيا الله- في مكان مرتفع نسبياً على ذلك الهرم ، بينما قاعدة وأساس الهرم هي في الأسفل .. وأنه لسنوات طويلة نجح وكلاء الوزارات بالتعاون مع "آخرين" سبق ذكرهم في حبس كل رابسو على كرسيه ، وفي جعله يعشقه ويموت فيه ، فيخرج على الناس من مكتبه المكيف ليخبرهم عن "إصلاحات" مزعومة وتطويرات موهومة ويطلب من الناس "مشاركته المجتمعية" في تطبيقها دون أن يأمر موظفيه بذلك..ثم يقوم بعمل مؤتمر قومي لتطوير المحروسة الننوسة الكبنوسة الثانوية السامة.. تاركاً "اللي يحصل يحصل" في "دعم الكتاب المدرسي" وعلقة الموت التي يحصل عليها المأسوف على شبابه الغض بعلم كبار وصغار مسئولي الوزارة .. علماً بأن كل شيء سيتم نسيانه وطيه في دولاب الكتمان عندما يتم تطبيق نظرية "خد الفلوس واسكت" ..

باختصار .. لست مع ألفاظ السيد الوزير .. ولا كاميرات السيد الوزير .. لكني ضد الجنرالات الصغار بكل ما أوتيت من قوة ، همة واللي يتشدد لهم ومن يصنع منهم أبطالاً على جثث البسطاء والغلابة.. وسيتغير موقفي ضد الرجل تماماً إن استسلم لهؤلاء وللأقلام التي تدعمهم و"طلقهم" علينا كما فعل سابقوه.. فالمماليك شركاء الرابسوهات في قتل القتيل.. ويمشون معهم جنباً إلى جنب في جنازته.. عذراً للإطالة وآسف على الغيبة ودمتم جميعاً بألف خير..

No comments: