Sunday, April 29, 2007

وراء كل جدول معجزة .. معجزة!

أحدث طرائف رابسو كانت فيما يتصل بجدول امتحانات الثانوية العامة ، الجدول المعجزة الذي يفوق في صعوبته صعوبة إعداد جدول الدوري العام المصري لكرة القدم!

بذل الدكتور الجمل - كان الله في عونه الصراحة يعني - جهوداً رهيبة لإعداد الجدول المعجزة عن طريق شبكة الفيديو كونفرانس والفيديو كليب ، مفعلاً كل الفشحاطات الحنجورية التي شنف بها آذاننا منذ جلوسه واسترباعه على الكرسي الرابسوماتيكي من عينة المشاركة المجتمعية وأخواتها، ، وبعد أن أعده ، ونشرته الصحف ..اكتشف أخيراً - ولله الحمد - أن هناك انتخابات لمجلس الشورى كانت لتقام أثناء مواعيد الامتحانات!.. وبالتالي لم يكن أمامه للتبرير سوى القول بأن الجدول الذي نشرته الصحف .. كان "استرشادياً"!

أولاً.. لماذا أخذ جدول امتحانات الثانوية السامة كل هذه الضجة وهذا الضجيج؟ هل هذه أول ثانوية عامة في تاريخ مصر؟ لا .. ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة..

ثانياً.. لاحظوا الأسلوب الاستباقي الذي اتبعه الدكتور المبجل ، فهو يقول أنه ببساطة أخذ آراء الأهالي والطلاب ، وبالتالي فإن أي احتجاج ، قد يظهر من الجدول بالشكل الذي أوضحته في الرابط ، لن يكون له أي محل من الإعراب.. وهذا ينطبق على كل ما سيتخذه الوزير من قرارات خلال فترة جلوسه على الكرسي الوثير!

ثالثاً .. وهو الأهم : هل انتخابات مجلس الشورى ، المجلس النيابي الثاني في صمر ، حدث طارئ يتحدد قبلها بأسبوعين ، أم أن الحكومة تعرف توقيته منذ حوالي العام؟

من الصعب فيما يبدو أن نتحدث عن التعليم بمعزل عن تصورنا كأفراد له ، ومن الأصعب أن نتحدث عن التعليم بمعزل عن الرابسو.. ففي صميم ثقافتنا الإدارية في مصر أن تكون كل الأوراق في يد شخص واحد ، يؤلف ويخرج ويمثل ويقوم بالتصوير ويضع الموسيقى التصويرية فقط، وإن يتغير الرابسو يأتي غيره بسياسة أخرى تنسف ما قد سبق .. وهكذا..

صحيح أنه مر علينا رابسوهات خفيفو الظل ، كثيري الكلام ، قليلي الفعل ، محترفي الصراخ ، لكني لم أر من قبل تضخيماً للصغائر وتصويرها بأنها أعمال بطولية خارقة لا يقوم بها بنو البشر ، وعشوائية تصيب القاصي والداني بهيستيريا ضحك!

ويبدو أنه صار من مواصفات وزير التعليم المثالي في مصر أن يتحدث كثيراً ، وأن يرص أكبر كم من المصطلحات بجانب بعضها كما يرص البناء الريفي "حجارته" لبناء سور في قرية ما ، حتى وإن كانت عباراته تتناقض مع أفعاله .. فهم يصدعوننا بالحديث الطويل المكرر عن التفكير العلمي ومواكبة التحديات بينما ما نراه هو التعريف المثالي للعشوائية والتخبط..

عموماً اللي يعيش يا ما يشوف ، ونحن في انتظار معجزات جديدة تأتينا من مقر وزارة التربية والتعليم والكلام والحديث والحنجوري .. والمعجزات أيضاً!

Tuesday, April 03, 2007

التجاريون × الأرض!

وضع غريب من جملة أوضاع غير مفهومة ارتبطت بالتعليم ، وضع أتكلم عنه بحرقة بحكم كوني تجارياً ، من خريجي كلية التجارة يعني.. وربما يشاطرني من تخرجوا من تلك الكلية البائسة نفس الخواطر الشريرة التي أسردها في السطور القليلة القادمة..

من المعروف أن طلبة كلية التجارة يشكلون السواد الأعظم من تعداد طلاب أي جامعة ، بل ما يحلو لي تسميته "أرضية الجامعة" ، والسبب ليس لا سمح الله وزن وأهمية التخصصات التي تخدمها دراسة العلوم التجارية في مصر (فالوزن النسبي للكليات يحدده المجموع ومكتب "التسييق")، وإنما لأن "مِنْ هؤلاء" - وستعرفون سبب استخدامي لهذا التعبير بعد قليل - من فشلوا لسبب أو لآخر في الحصول على مجموع "محترم" في شهادة الثانوية السامة.. ما جبتش مجموع ، "احدف" على تجارة!

لماذا قلت "مِنْ هؤلاء" ولم أقل "كل هؤلاء"؟ لأن "مِنْ هؤلاء" أيضاً طلبة الدبلومات الفنية التجارية..

مفارقة غريبة .. أليست كذلك؟

يكافأ طالب الدبلوم الفني التجاري لكلية التجارة بمجرد إحرازه لمجموع عال في شهادة الدبلوم ، يعاقب طالب الثانوي العام بدخوله كلية التجارة لحصوله على مجموع (....) في الثانوية السامة!

طالب الدبلوم الفني التجاري يستحق دخول الكلية أكثر مني ، فهو تعب بشدة واجتهد ، كما أن لديه خلفية حقيقية عن العلوم المحاسبية وإمساك الدفاتر، وبالتالي فهو قادر على المرور في كل التخصصات المحاسبية والإدارية والسكرتارية كالسكين في قالب الزبد ، عكس طالب الثانوي العام الذي (جه م الدار للنار) ودرس مجالاً لا يفقه فيه أي شيء ، فقط لمجرد أنه لم يحرز مجموعاً يؤهله لدخول كليات القمة!

وبرغم كل ما يقال عن كليات التجارة بأنها كليات الشمس والهواء في الجامعات المختلفة (من حقنا نستمتع بالشمس والهواء في الجامعة قبل ما نستمتع بيهم على الرصيف) ، إلا أني أشعر أن القادم من التعليم الفني يدرس (في أغلب الأحوال) بحماس لأنه حقق جزءاً من حلمه ، وتساوى مع من فرق المجتمع وثقافته بينه وبينهم ، بينما يدرس أمثالي القادمون من التعليم العام بتثاؤب وبملل وبإحباط لأنه موجود في الكلية بسبب إخفاقه في الحصول على مجموع!

وتتحقق المساواة والعدالة الحقيقية (المساواة في الظلم عدل) عندما يتخرج الجميع إلى الشارع!..

لماذا يصبح الشارع هو المصب وليس سوق العمل؟ لأن عدد الطلاب أكثر من اللازم ، بلا ضابط ، والفضل لمكتب التسييق وإدارات الكليات التي تتعامل مع كليات التجارة ، والحقوق والآداب، وأحياناً التربية على أنها "كليات بنت الجارية" (ولا داعي لاستعمال المصطلح الأدق)، وتفرغ فيها -بلا ضابط واضح- من يعتبرون من "سقط المتاع" فقط لأنهم لم يحرزوا المجموع "اللائق"!

خريجو كليات التجارة ألوف مؤلفة ، أكبر من استيعاب قطاعات البنوك والتأمين والصرافة وحتى من قدرة القطاع الخاص على استيعاب محاسبين ومراجعين .. ومع ذلك نجد من يصوت ويولول على جودة التعليم الجامعي المهدرة وحالته المدندرة بسبب كثرة عدد الطلاب في الكليات النظرية ، كما لو كان المصوتون والمولولون - يا عيب إلشوووووم - لا يعرفون شيئاً عن أحوال تلك الكليات وتوزيع "وارد" التعليم الثانوي عليها..

صار من النادر أن تجد خريج قسم المحاسبة يعمل محاسباً ، فالقاعدة صارت مؤخراً أن من يدرس شيئاً لا ينتفع به!

مثل هذه الأوضاع تحرض على التعامل مع التعليم كله من أوله لآخره بلا مبالاة (كله محصل بعضه) ، لا كطريق يوصلك إلى سوق العمل والنجاح العملي ولا كوسيلة لتوسيع معارفك وجعلك مختلفاً عمن لا يعمل..

هذا مجرد وضع مسكوت عنه ، وغيره كثير ، والكرة في ملعب المتحنجرين في مكاتبهم المكيفة والذين يتعاملون باستخفاف مع هذا الوضع وغيره .. ويوهمون دافع الضرائب أنهم مسيطرون تماماً على الوضع ، إلى أن تأتي الطوبة في المعطوبة!

لا نريد أن يتكرر ما حدث معنا مع آخرين بعدنا ، ولا نريد أن ننتظر حدوث مصيبة سوداء حتى ينتبه المجتمع لأوضاع خريجي كليات وصمت جهلاً بأنها كليات القاع!

Sunday, April 01, 2007

دعوهم يكونوا أنفسهم!

بدايةً كل عام أنتم جميعاً بخير ، ما يصبرنا على تلك الأيام المشحونة إلا تصادف الأعياد والمناسبات السعيدة دينية كانت أم وطنية (باستثناء سيدي الاستفتاء) أو لكل المصريين كشم النسيم الاثنين القادم بإذن الله ، وأعتذر عن تأخير طويل عن التدوين هنا لمدة تزيد عن الشهر .. لندخل في عجالة في صلب الموضوع..

من الجميل أن يكون لدينا أطفال موهوبون في أي مجال (إيجابي طبعاً).. ومن الضروري في تلك الحالة أن يتعهد الموهوب أبواه والمدرسة بالرعاية.. لكن ..

لكن لم يسأل أحد منا نفسه : لماذا يحرص البيت والأسرة على تحويل الطفل إلى صورة طبق الأصل من الكبار في الشكل والمضمون أيضاً؟

في البرنامج الغريب "اتمسي بالخير الصبح يا مصر" كانت هناك طفلة وصفت بالمعجزة ، وفوجئت بإلقاء شعري تماماً كالكبار ، بدون شخصية مميزة ، وانسحب ذلك حتى على طريقة كلامها التي تشبه تماماً طريقة الكبار ، ربما ليكون ذلك عادياً إن كانت شخصيتها كذلك ، لكنها كما رأيت ممن يلقنون في البيت (وفي المدرسة) تلك الطريقة..النضج المصطنع والشعور بالنجومية ..

تذكرت فيها باختصار قصة كل طفل معجزة ظهر في عائلة فأرادت هي أن تجعل منه البيضة التي تبيض ذهباً بلا حساب.. ولهذا السبب لا يصمد هذا النوع من الموهوبين طويلاً.. يطير بسرعة ويقع بسرعة وينساه الناس بسرعة!

تذكرت شوقي الذي كتب أول بيت له في الثامنة من العمر ، "أفريقيا جزء من الوجود .. في شكله يشبه العنقود" ، لم يحوله أهله إلى نجم ولم يأمروه بأن يعيش طفولته كرجل في الثلاثين وعاش حياته بشكل طبيعي إلى أن حصل على شهادته في الحقوق وأصبح شاعر البلاط ثم شاعر الشعب فيما بعد..

ما نفعله في البيت والمدرسة من تضخيم وقتل للموهوبين بعنايتنا الزائدة بهم لا يحدث فقط مع الموهوبين ، بل مع من يمكن أن يكونوا موهوبين..

أتذكر في حصص الرسم أنه يكاد يكون يفرض علينا شكل معين للرسم ، يجب أن تكون الشجرة كبيرة الحجم وأن تكون كذا وكذا ، الجنود في المعركة يجب أن يكونوا كذا وكذا..وعاديك لو رسم شخص شيئاً ما بطريقة مختلفة ، فدة "مش حيييييلو علشاااااانك" مع الاعتذار لمحمد صبحي ، فهناك في نهاية العام امتحان يا سيدي الفاضل.. يكرم المرء فيه أو يهان .. ودول عشرين درجة نجاح وسقوط!

إننا في الحقيقة نفرض عليهم أيضاً معايير الكبار رغم أنهم ليسوا كباراً.. نكاد نلقنهم كل شيء في البيت والمدرسة ونعجل ونضغط عليهم بلا مبرر.. نريدهم أن يكونوا مثلنا بأخطائنا وحماقاتنا دون أن نتركهم ليكونوا أنفسهم لا اكثر ولا أقل..

إلى الآباء والمعلمين .. دعوا أبناءكم وتلامذتهم يكونوا أنفسهم لا الشخص الذي نريد .. قليل من التوجيه قد لا يضر .. لكن لا يجب أن نكون كالدبة التي قتلت صاحبها ثم نشتكي من فقر المواهب والموهوبين في مصر!