Friday, February 22, 2008

تلك التجربة

مقدمة: يدهشني التجاهل المتعمد والخبيث للتقييم الموضوعي للحقبة التي سافر فيها العديد من المصريين للعمل خارج البلاد في الدول العربية النفطية سواء في الخليج أو في ليبيا.. هذه الحقبة التي كان من أهم معالمها سفر "المدرس المصري" للعمل في الخارج..

نعم.. سافر نفر كثير إلى بلاد النفط للعمل كمدرسين، منهم من بقي هناك ومنهم من عاد.. منهم من كان مثلاً جيداً للمصري ومنهم من أسهم في جعل سمعة هذا البلد الطيب في أسفل سافلين ، وتحول إلى لعنة أخذت الصالح قبل الطالح في سكتها..

أعترف في رأيي المتواضع الذي سيغضب الكثيرين أن الجانب السيء أكبر بكثير.. ليس فقط لأن الفاحشة تعم والحسنة تخص وعليه فالتجارب الأسوأ هي التي تترك أثراً يدوم بعكس التجارب الإيجابية..

أخذت شريحة من المدرسين المصريين أسوأ ما في مصر لتنقله إلى طلاب المهجر.. العقلية التي بُنِيَ عليها النظام التعليمي الرابسوماتيكي ، والاستعلاء طبعاً على المجتمع الجديد الذي وفدوا إليه ، ومعها أخلاقيات الزحام التي جعلت من المصري عدو المصري ولو في بلاد الواك واك.. سمعت قصصاً عن مدرسين مصريين تنافسوا فيما بينهم في تدبير المكائد لدى أولي الأمر ، وتقاتلوا على إعطاء الدروس الخصوصية لأبناء الشيوخ والأمراء في بلدان عربية خليجية ، ولا ننسى الفهلوة وتفتيح المخ وفتح عينك تاكل ملبن ، الأمر الذي أسهموا فيه مع المحاسبين المصريين أيضاً - بكل أسف - في نقله إلى تلك البلدان..

عاد منهم من عاد بعد أن جمعهم "إكوام إكوام".. ليتحول من "مُعَلِّم" إلى "مِعَلِّم".. كان الغرض من سفره إلى بلاد الجاز أن ينقل الخبرة المصرية إلى المجتمعات التي كانت وليدة ..والآن نقل إلينا عصارة خبرته في الفهلوة على الخليجيين في مراكزه وسنتراته .. وهو يتحسر على الأيام الخوالي ..أيام الريالات والدراهم والدنانير قبل أن يجدوا أنفسهم بفعل الظروف التي انقلبت مائة وثمانين درجة خارج اللعب..تماماً كباقي المصريين العاملين في الخارج في كافة الاختصاصات..

ولا يمكن أن ألقي باللوم وحده على المدرسين أنفسهم ، بل إن جزءاً كبيراً مما حدث هو من جراء حماقة حكومات متعاقبة طوال الفترة منذ بداية موجات الهجرة وحتى انحسارها.. فإرسال المدرسين والموظفين (الذي يتم عبر الحكومات) كان يتم بشكل فائق العشوائية.. مش مهم مين كويس ومش مهم مين "فُضَحي".. لم تعد الحكومة المدرس إعداداً جيداً للسفر لا في الستينيات ولا في السبعينيات ولا في الثمانينيات.. وإن تعرض هو لتجاوزات على يد بعض ممن رجرج "الجاز" عقولهم فلن يجد له سنداً ولا ظهيراً ولا مدافعاً عن كرامة الوطن والمواطن (أحدث لبانة يتشدق بها الحزبوطني هذه الأيام)..فالحكومات -عادةً- تترك المهاجرين والمغتربين المصريين "في الطل".. لا متابعة ولا سؤال ولا سلام ولا كلام إلا فرض الضرائب على تحويلاتهم من الخارج لذويهم في مصر.. وكان الله بالسر عليماً..

لا زال النيل يجري على أي حال.. لا تزال الحكومة في عهد "الست وزيرة القوى العاملة" -أسوأ وزير في الحكومة مع صاحبنا إياه- مقاولاً للأنفار على طريقة "سنبل" في مسلسل "سنبل بعد المليون".. ولكن ليس إلى "زرزارة" طبعاً.. وما زال صغار المدرسين يحلمون بالسفر لدول الخليج إما لتحسين مستواهم المعيشي (وهذا حق مشروع) وإما لتجربة قدراتهم في الفهلوة والتسليك ليعودوا لتسليك جيوبنا بعد أن تضيق بهم السبل ، خاصةً عندما تعلمت جنسيات أخرى اللعبة وبدأوا في سحب السجادة من تحت أقدامنا هناك..

أسمع أنهم في الخليج قطعوا أشواطاً في "توطين التعليم" وصارت لهم كوادر مواطنة وقل الاعتماد على المدرس المصري والسوداني والفلسطيني والسوري ، وقطعوا كذلك أشواطاً في تطوير نظم التعليم في بلادهم ، بعد أن ألقوا بنظرياتنا الرابسوماتيكية وحنجرات "الجمل" عن المشاركة المجتمعية والمجتمع الأهلي (والزمالك) من الرابع..وربما نحتاج لقدرات خليجية وشامية لتطوير التعليم في مصر خاصةً وأن السيد الوزير - حفظه الله في مكانٍ ما - قد أقر السماح للمدرسين (غير المواطنين) للعمل في مصر..

وتبقى تجربة المدرس المصري درساً يحتاج لتحليل هادئ وعقلاني.. من كل من كان له عقل.. أو ألقى السمع وهو شهيد..

Friday, February 01, 2008

بنتعلم إيه؟

من القواسم المشتركة التي تجمع الفيلم الرديء ،والمسرحية الرديئة ، والمسلسل الرديء هو ارتكان كل ما سبق للنص فقط.. كلام كلام كلام وبس ، لا تفاصيل ولا حركات ولا أي شيء.. مجرد كلام يصمه الممثلون وهم واقفون من وضع الثبات أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح على طريقة "آه آه.. 51 51"!

على العكس .. نجد في الأعمال الفنية الجيدة أن النص المكتوب يشكل نسبة محدودة من السيناريو ، ونسبة التفاصيل والحركات أعلى ، ثم يضيف إليها المخرج بعد ذلك أشياء لم تكن موجودة في النص الأصلي من باب رؤيته لطريقة تنفيذ السيناريو..

لهذا يبدو القول بأن التعليم في مصر مسرحية رديئة ذا وجاهة..فـ"سي الكتاب" هو النص ولا نص غيره.. وأنه يجب على الممثلين - الطلبة يعني- حفظ أدوارهم بالحرف الواحد لـ"بَعّها" جملةً واحدة في ورقة الامتحان وكان الله بالسر عليماً.. ثم نسأل بعضنا البعض في سنتحة منقطعة الشبيه : هوة احنا اتعلمنا إيه؟

يلقي الرابسوهات وبهاليلهم ومناديبهم في الصحف بكل اللوم على الأهالي "التقليديين" الذين يريدون فقط المجموع والكلية ولا يهم أي شيء آخر، كلام هو حق يراد به باطل.. فإذا كان الأهالي تقليديين ،فماذا عن الرابسوماتيك مبعوثي العناية الإلهية لتنوير المجتمع "التقليدي"؟ ماذا فعلوا لانتشالنا مما نحن فيه؟ ولا حاجة..

إبان عهد "إياه" استيقظ المصريون على الكتاب المدرسي وقد "تكلبظ" بقدرة قادر.. الحل العبقري كان في حشو الكتاب بكل ما يعتقد أصحابه أنه مهارات تلزم الطالب أو التلميذ .. بل وصلت الصياعة والانتهازية بالبعض باقتراح بعض المواضيع كمقررات دراسية من أجل زيادة الوعي لا أكثر! يعني بالبلدي الفصيح الأهالي تقليديين علشان بيعتمدوا على الكتاب وعلشان نخلصهم من الموضوع دة نحطلهم الحاجة اللي احنا عايزينها في الكتاب.. يا حلاوة المولد!

والنتيجة : حفظ الكتاب ، صم الكتاب ، الامتحان في الكتاب ، كي لا يقول أحد أن الامتحان من خارج الكتاب ، وإلا عد ذلك خروجاً على النص!

ليس من المقبول عقلاً أصلاً أن تكون كل علاقتي كطالب بالتعليم المصري هي مجرد كتاب ومجرد امتحان يتم فيه اجترار الكتاب.. من الممكن أن أتعلم داخل المدرسة أموراً ليست موجودة في أي كتاب ولن أدخل بسببها امتحاناً.. أتعلم أموراً قد تفيدني في حياتي العملية فيما بعد دون أن أقوم بتسميعها..بل يمكن القول بأن الكثير من كلام الكتب يشبه كلام الليل المطلي بزبد منتهي الصلاحية بينما من الممكن لتلك الأمور أن تستقر.. أمور كان يحكي لنا آباؤنا وأجدادنا عنها ويبدو أن زمن تعليمها لنا قد ولى ..كما ولت أزمنتهم تماماً..

الفرق رهيب بين ما ندرسه .. وما نتعلمه.. فقط أطلب من كل من "أنهى المدة" في "أوبرج" التعليم أن يتذكر بينه وبين نفسه أشياءاً تعلمها.. لا أشياءاً درسها.. عذراً للإطالة..