Tuesday, July 14, 2009

أي!

هل تتذكرون نكتة " انت ماشي حافي ليه"؟

هناك في النكتة ، وفي الحقيقة ، أمر يستحق الذهول ، ألا وهو طول الوقت الذي استغرقه الأرنب حتى قال أول "أي" .. حتى بدأ في التبرم من ضرب نمر بيه له صبيحة ومساءاً.. هذا الوقت الطويل يعكس أيضاً حقيقة هامة .. ألا وهي أن كل شيء كان على ما يرام ، وأن صفعات النمر كانت خفيفة وطرية على قلب الأرنوب إلى أن قرر هذا الأخير تغيير رأيه..

ما يعزز ذل هو العبارة الدارجة لدى الإنجليز : No news, good news.. طالما أنه لم يشتكِ أحد فإن كل شيء على ما يرام..

على مدى العامين السابقين سمعنا أكثر من "أي" فيما يخص امتحانات الثانوية العامة، "أي" خاصة بالغش الجماعي ، و"أي" خاصة بصعوبة امتحانات مدارس اللغات (وهم طبعاً طبقة أخرى فيما يبدو فوق طلاب المدارس العادية البيئة) ، و"أي" خاصة بأحوال المصححين خصوصاً هنا في الدقهلية والذين كانوا حديث أكثر من برنامج "توك شو" خلال اليومين الماضيين ..

توقيت إعلان كل "أي" وأختها مريب ، فالأمر ينقل إلينا رسالة كما لو كان الغش الجماعي غير معتاد وغير مألوف وغير تقليدي في تاريخ الثانوية العامة وهذا كلام فارغ ، وكما لو كان المصححون يصححون طوال الثلاثين عاماً الأخيرة فما قبلها في ظروف ممتازة ، وهذا كلام فارغ أيضاً .. نعم حدث كل ما سبق بالفعل طوال تلك الفترة ، ومثله معه وألعن ولكن المشكلة أنه لم يقل أحدهم "أي"، أو للدقة لم تقرر وسائل الإعلام أن تقول "أي" إلا في الوقت الذي رأته مناسباً.. وهو ليس بالضرورة الوقت الذي يراه المجتمع كذلك.. بدليل أنه من الممكن على وسائل الإعلام إن كانت صادقة في نواياها بحق وحقيق أن تفتح كل الملفات جملة واحدة وفي وقت حدوثها ، وليس بالتقسيط المريح المريب الذي نراه..

قال الأرنب "أي" من تلقاء نفسه ، حتى مع التسليم بأنه قالها بعد الهنا بسنة على الأقل ، أما نحن ، فقد أعطينا وسائل الإعلام توكيلاً تقول فيه هذه الكلمة بالنيابة عنا .. بدليل أننا حتى عندما نرى مصيبة من المذكورات أعلاه نسأل بعضنا البعض : هية جت في الجرايد؟ أو في "العاشرة" وأخواتها؟

وكشخص سخيف يؤمن بأنه مثل الأرنوب ، حر تماماً في اختيار الوقت الذي يقول فيه "أي" .. فمن حقي أن أسأل وسائل الإعلام ، وأسألكم أيضاً بعض الأسئلة ، والتي تدور كلها حول عبارة في فيلم "الناظر" : أكلم مين؟

إلى من أتحدث وأسمع فيما يتعلق بسياسات التعليم؟ الوزير الذي هو قمة جبل الجليد في النظام التعليمي المصري ومن نراه ونسمعه في التصريحات متلفزة أم مكتوبة ، أم موظفو الوزارة الذين أثبتوا بالدليل العملي أنهم أقوى ألف مرة من الوزير؟

إلى من أتحدث فيما يخص المدرسين؟ إلى مدرسي المدارس الحكومية المستغنين عن الكادر ، أم إلى مدرسي المدارس الحكومية المستخفين بالكادر ،أم إلى مدرسي المدارس الخاصة الذين يحصلون على رواتب أعلى من مدرس المدارس الحكومية ومتمسكين بالكادر ، أم إلى حيتان الدروس الخصوصية الذين يقبضون في جيوبهم ألف ضعف على الأقل قدر مرتب مدرسي المدارس الخاصة ، والمتمسكين - الحيتان يعني - أيضاً بالكادر!

وإلى من أتحدث عن الثانوية العامة ومستوى الامتحانات؟ إلى طلبة مدارس اللغات الذين اهتزت مصر كلها من أجل خطأ في ترجمة سؤال أو اثنين ، وطولب بتعليق المتسببين في الخطأ على باب زويلة وبالمقلوب ليكونون عبرة لمن يعتبر ، أم طلبة المدارس الحكومية "البيئة" الذين لا يصل الإعلام إليهم ولا يستمع لآهاتهم عندما تمتلئ امتحاناتهم بالمسامير الغليظة المعكوسة الوضعية؟

وأخيراً.. هل يتوجب عليّ أن أقول "أي" مني لنفسي إذا أحسست بها ، أم أصدق ما تقوله وسائل الإعلام معتبراً ما رصدته حواسي مجرد تهيسؤات؟ "لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين"..

وأستغفر الله العظيم لي ولكم..