Thursday, May 31, 2007

أم المعارك

قد تكون كرة القدم هي أشرف الحروب كما يراها أستاذنا الدكتور ياسر ثابت في سلسلة تدويناته الرائعة عن كأس العالم والتي نشرها قبل حوالي العام ، لكن كرة القدم ليست الحرب الوحيدة في حياتنا التي نخوضها بلا سلاح.. الامتحانات على سبيل المثال..

كل امتحان صار حالة رعب ، أياً كانت درجة أهمية الامتحان من عدمها..

رعب يبدأ مع أول امتحان يخوضه الشخص في حياته ، ويعلم الله وحده متى تكون المرة الأخيرة ..

رعب يصنعه الناس كرد فعل لضغط النظام التعليمي.. ويعرف من بلغ التاسعة والعشرين من العمر جيداً شعور من تنتظره المقصلة في نهاية كل مرحلة ثانوية ، فقانون العار الشهير بدمج السنتين في المرحلة الابتدائية تحول إلى فضيحة تشبه ما نشاهده في الأفلام ، يجب على أساسها من وجهة نظر النظام التعليمي الخنفشاري أن "نتاوي" الطلبة لكي نغسل العار بالرابسو بما أن الرائحة فاحت واكتشف العباقرة أن عدد طلاب الدفعة المزدوجة ينوء بحمله أي نظام جامعي وأي سوق عمل ..

رعب يصل إلى قمته في الثانوية الغامة التي ستبدأ امتحاناتها خلال أيام من كتابة هذه السطور..

ولا رعب في حياة الطالب المصري يعادل رعب الثانوية العامة ، فهو لا يبدأ قبل الامتحان ببضعة أيام بل يبدأ قبل بداية العام ، فالهدف ببساطة هو الوصول لكليات القمة و"برستيجها" ورونقها ، حتى لو أدت بالطالب إلى مصير مجهول بعد التخرج ، ولأن المجاميع ترتفع باستمرار فيجب أن يكون الهدف هو أن يتخطى الطالب حاجز المائة بالمائة (عملاً بعبارة لأحمد أمين ما معناها أنك عندما تنوي السباحة لمائة كيلومتر تستطيع الوصول لستين كيلومتر بلا تعب ، بينما لو خططت للسباحة لخمسين كيلومتراً ستتعب بعد الكيلومتر العاشر) ، فكليات القمة لا تنتظر ، والأقارب والغرباء لا يرحمون.. المجموع هو مقياس التفوق لدى النظام التعليمي ولدى المجتمع .. وطالب كليات القمة بريمو وما عداه فهو ترسو (وعلى رأي استعراض في فيلم إسماعيل يس في حديقة الحيوان : امشي يا ترسو امشي!)..

يجب أن تحفظ ، يجب أن "تمحط" ، يجب أن تواظب على حضور الدروس ، يجب أن تجري وتلهث بلا توقف ، فأنت أمام مهمة قومية، ولا تعرف كم أنفق أهلك حتى تصل إلى باب الكلية ، وغاية مناهم أن تحرز ترتيباً على الجمهورية ، كي تقابل الرابسو وتسافر أوروبا على حساب جريدة الجمهورية..

عندما يقترن التعليم المصري بتلك الكمية الرهيبة من الشد العصبي فإن النتيجة الطبيعية ستكون حتماً طلاباً يفرطون في التوتر ، فيصبحون أعضاءاً في أندية الضغط والسكر ، أو طلاباً مفرطين في اللامبالاة يضربون الدنيا بالأحذية القديمة ..

هناك حقائق كان يجب على النظام التعليمي وعلى المجتمع إدراكها قبل أن تتحول الثانوية العامة لحرب وسيرك ومهرجان إعلامي ودعائي سمج يثير سخرية شعوب الأرض من مصر والمصريين..

أولى تلك الحقائق أن هذا تعليم وليس حرباً ، على الطالب أن يتعلم ، وأن يدرك أن الامتحان مقياس لمدى تعلمه واستيعابه ..

وثانيها أن الجدية مطلوبة ولكن بكمية معتدلة ، فلن ينفعك رابسو إذا ارتفع ضغط دمك (مثلما الحال معي تقريباً) ولن ينفعك أحد إذا فشلت .. اعمل اللي عليك والباقي على ربنا..

وثالثها أن الحياة العملية هي الهدف ، ومن أجل النجاح فيها عليك استغلال ما تعلمته في المدرسة والكلية وتقوية ملاحظتك وتنمية مداركك..

ورابعها أنه وقت أن كانت الأمور طبيعية في الأمس البعيد كان المتفوق متفوقاً بحق وحقيق ، وكان من أوائل الثانوية على مستوى البلاد شخصيات أسهمت في صناعة تراث هذا البلد الفكري والعلمي ، أما بعد أن أصبحت حرب البسوس لم يسمع أحد عن أي متفوق في الثانوية العامة خلال الربع قرن الأخير .. وأتحدى!

وخامسها أن لكل كلية أهميتها لأنها بوابة لقطاع ما في سوق العمل ، وأننا نتعامل مع كل المهن الموجودة في حياتنا بشكل مباشر بمن فيها "السباك" الذي يعتبره فضيلة المفتي ووزير الأوقاف شتيمة!

هلا انتبهنا كأفراد وانتبه النظام التعليمي وانتبهت الميديا لكل ما سبق قبل أن تصبح الثانوية العامة منافساً لحوادث الطرق و (س.ح.م) في قتل المصريين؟

Thursday, May 24, 2007

حي..حي.. رابسو جاي

لماذا تحول الفلكلور السياسي في مصر إلى تابو لا يصح إطلاقاً نقاشه أو عرضه على العقل؟

لسنوات طويلة والمشهد الفولكلوري يتكرر ، رابسو شخصياً يقرر الخروج من المقر الرابسوماتيكي ليذهب - يا حرام - في عز الحر لكي يتفقد سير امتحانات الثانوية العامة كل عام ، ومثله في ذلك المحافظون في امتحانات الشهادات المختلفة؟

ليه؟

ما هي جدوى زيارة محافظ أو مسئول لطلبة صغار أثناء أدائهم للامتحانات؟ هل هي فقط من أجل الشو والظهور أمام الكاميرات بجميع أنواعها؟ هل هي من أجل جعل كل مواطن يشعر بأن أعلى دوائر السلطة تقف بجانبه؟ أم هي التقاليد البيروقراطية التي تضع صورة رئيس الجمهورية خلف كل موظف صغير في كل مكان من أرض المحروسة فقط ليشعر الموظف أن الرئيس يطلع عليه؟ أم أنه لا يسير شيء في مصر دون أن يرى أي مسئول صغير صورة حقيقية أو فوتوغرافية للمسئول الأكبر منه في الهرم الوظيفي؟

والأهم ، ما هو الفرق الذي سيصنعه وجود الوزير بجانبي وأناأؤدي امتحاناً؟ هل هذا سيسهم في "تعميك الشعور الوتني" لدي مثلاً؟

لأن "الوزير جاي" كما في رائعة أحمد رجب ، فيجب أن يكون كل شيء معداً وعلى سنجة عشرة حتى يرى الوزير أو المحافظ صورة جميلة وبراقة للمدرسة في مواجهة "هذا الاستحقاق الصعب" ، ولا مانع أن يتم عمل تشريفة يموت فيها من يموت من أجل أن "تطلع الصورة حلوة"..وإمعاناً في النفاق نرى من الصحفيين من يؤكد أن الوزير - أي وزير - رجل بسيط ولا تعجبه مثل تلك المشاهد.. طالما ما بيحبش المناظر دي بييجي ليه؟ ولماذا يجهد نفسه ويأتي هو أو أي مسئول آخر في أي محافظة ليزور مكاناً يعرف أن كل شيء فيه تمام في تمام مسبقاً؟

هذا هو ما يُفعل بأولادنا ، فهذه التقاليد الخرقاء ترسخ شيئاً في عقليات الصغار مفاده أن تبقى "بوروطة" وسلبي في انتظار السيد المسئول والسيد الوزير وكل من هو سيد في البلد حتى ولو كان سيد يا سيد (مع الاعتذار لبعرور)..

هكذا يتم توريث كل عيوب جيل لجيل آخر ، والبركة في الثقافة البيروقراطية وجنرالات التعليم..

أتمنى أن تشاركونني نفس السؤال ، وأن تشاركوا مجدي مهنا تساؤله هنا..