وإذا لم يكن ما كتبته في التدوينة السابقة يبدو غريباً ، دعوني أنقلكم إلى ما هو أغرب.. وهو يذكرني بقصة من حكايات أيسوب في التراث العربي..
قيل أنه كان هناك قط سمين يأكل في كل يوم عدداً من الفئران ، فلما استشعرت الفئران الخطر فكروا في فكرة تحد من خطر هذا القط المفترس .. فبادر أحدهم إلى فكرة تعليق جرس في رقبة القط ، ما أن يتحرك حتى يحدث الجرس صوتاً فيلزم كل فأر الحذر ويختبئ حتى يرحل، ولاقى الاقتراح الجديد قبولاً واسعاً ، إلا أنه كانت هناك مشكلة بسيطة واحدة .. من الذي سيتولى تركيب الجرس؟
ما هي علاقة ما سبق بما هو آت؟.. أقول لكم..
نشر أحد المواقع نقلاً عن صحيفة حكومية قبل أيام قليلة الأعداد التي سيتم قبولها من طلبة الثانوية الغامة في الكليات والمعاهد ، والأعداد نفسها تثير علامات استفهام ، فكليات الآداب ستستقبل طبقاً للصحيفة 55 ألفاً ، 53 ألفاً لكليات التجارة ، 7900 طالباً لكليات الطب..
والظريف في الموضوع أن الدكتور هاني هلال في نهاية الخبر قال أنه "بأنه سيتم استيعاب جميع الطلاب الناجحين في الثانوية العام هذا العام بالجامعات والمعاهد العليا".. الاكليشيه نفسه مكرر وربما كنا نسمعه كل عام منذ أيام توت عنخ آمون ، لكن الأرقام التي نشرت في ذاتها لغز كبير ، دعوكم من كليات التجارة والآداب التي خلفها النظام التعليمي ونساها ودفنها وتقبل فيها العزاء.. ولننظر لأعداد طلبة كلية الطب..
في الماضي كانت أعداد طلبة كلية الطب قليلة ومحددة ، لأن المجاميع لم تكن قد ارتفعت بهذا الشكل المخيف ، وكان هناك بعض الأريحية في إعدادهم وتجهيزهم لأن المعامل والإمكانيات كانت مناسبة لتلك الأعداد ، وعليه كان مستوى مهنة الطب أفضل بكثير..
وتزايدت الأعداد التي لم يعمل لها أحد حساباً ، وتزايد الضغط ، وكان على المجاميع أن تزيد حتى لا يغضب الشارع (وإن كانت وجهة نظره كما أراها تغيرت بعد ما رأى بعينه كم طوابير العاطلين نتيجة للسياسات الخرقاء ولأشياء أخرى)، وحتى "يدب" الرابسوماتيكيون أصابعهم في عين التخين مؤكدين على أن هذه المجاميع المحقونة بالهرمونات هي مؤشر على نجاح النظام التعليمي بأكمله ، وكان أمراً طبيعياً أن ينوب كليات الطب من الحب جانب..فارتفعت الأعداد لتتخطى إمكانيات الكليات جمعااااااء!
أولاد البطة البيضاء (أساتذة الجامعات) لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ، فمستقبلهم مضمون مضمون مضمون ، أما أبناء البطة السوداء من غير حملة الوسائط فأمامهم التكليف واللف على العيادات وعدم التفرغ وعدم التركيز ، والنتيجة أشخاص يموتون في المستشفيات بإهمال طبي لا يهم أحداً مناقشته ، وأشخاص آخرون يلتقطون فيروس سي من مستشفيات أخرى .. ومسئولو النقابة لا يفلحون إلا في تكرار بعض الإكليشيهات الـ(....) من عينة : الطب في مصر على أعلى مستوى ومستهدف!
والكل عندما يثار موضوع انحطاط مستوى الطب في مصر يتعامل مع الأمر مثلما تعاملت الفرافير مع الجرس العجيب.. منطق "ماليش دعوة"..
الجامعات أساتذة وموظفين وإداريين يصبون جام غضبهم على النظام التعليمي الرابسوماتيكي الذي دفع بكل تلك الأعداد من الطلاب التي تفوق إمكانيات كليات الطب وربما حاجة المجتمع.. ويقولون "مالناش دعوة"..(أما نقابة هايديلينا فمالهاش دعوة هي الأخرى وتتمنى الأعداد تكتر والاشتراكات تكتر والخير يعم ويزيد ..همة خسرانين حاجة)..
والقائمون على التعليم قبل الجامعي يؤكدون أنهم بدورهم "مالهمش دعوة" .. هذه هي الأعداد التي دخلت مراحل التعليم كلها ويجب أن تواصل مسيرتها المظفرة من المنبع إلى المصب في الجامعات..ثم أن أهم أوراق اللعبة بيد مكتب التنسيق ، إذا ما ارتفع المجموع عن كذا "اشحن" الطلبة على الكلية الفلانية ، واللي مايجيبوش "اشحنوهم" على أي كلية من كليات القاع ودوري المظاليم!
المضحك أن كل هؤلاء يعرفون بضخامة الأعداد وبحجم المشكلة ، كما يعرف الفئران تماماً أن مشمش جاي (زي هراس جاي للي شافوا المسلسل الشهير) ، وكل هؤلاء يتهربون من المسئولية كما تهرب كل فرفور..
قد يقول بعض من سمعوا حكاية أيسوب أنه من الممكن أن يتعاون أكثر من فأر ، وربما الفئران كلهم ، في تعليق الجرس في رقبة القط ، وهذا هو ما لم يحدث ولن يحدث في حالتنا ، فلكل مصالحه ولكل هدفه ولكل رغبته في الهرب من المسئولية إن كانت وزارة التعليم أو كليات الطب أو النقابة.. ثم يمصمصون شفاههم هم والصحفيون على الحال المدندر لمهنة الطب في ربوع المحروسة ، قبل أن يصل العجز بالجميع إلى الدرجة التي يلقي فيها باللائمة على القوى الخارجية الغامضة وربما الشمس والزلزال ، كما يحدث في كل خيبة في مصر..
وسننتظر طويلاً ، وربما يؤنسنا أبناؤنا وأحفادنا لانتظار يوم يجتمع فيه الفرافير معاً لبحث مسألة تعليق الجرس!
هذا بالنسبة لطلبة كلية الخمسة عين سابقاً ، ولا تحدثوني -الآن على الأقل- في طلبة كليات التجارة والحقوق والآداب.. فهؤلاء عرفوا مصيرهم تماماً ، ولن يبالي مخلوق لـ"كربستهم" في الكليات بسبب المجموع على طريقة "خش رابع ورا" .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
1 comment:
بما اني طالب فيما يسمي ب كلية الطب البشري ...وبما اني ايضا اعرف احوال باقي كليات الطب في الجمهورية فرايئ ان حكاية الاعداد مش مشكلة خالص لان ما حدش بيروح الكليات اساسا
النظام دلوقتي نظام دروس خصوصية ...او ما يطلقون عليه( لتجميل اللفظ لا أكثر وللتفريق بينها وبين نظيرتها في المدارس-مش معقول هنساوي الناس اللي في طب بالناس اللي لسه مش في طب واللي كله دون استثناء عايزين يروحوا طب-) يطلقون عليها كورسات يعني دلوقتي ممكن الواحد مننا يطلع دكتوار اد الدنيا من غير ما يشرف الكلية ( اللهم الا في مواعيد الامتحانات أو حتي قبل الامتحانات حتي يعرف أشكال أعضاء التدريس ويعرف أسمائهم ) ........من الاخر اغليبية الدكاترة دلوقتي دكاتره من منازلهم
غير كده كمان ممكن الطلبة ما يروحوش الكلية (والمثال ده تتشرف كليتي العزيزة بالحق الحصري له)وفي نفش الوقت ما يحدوش دروس خصوصية من قبيل تكبير الدماغ ويا عم الحج اه كله في الكتب نروح ليه
معني كلامي ان الكليات مهوية طول العام فالبتالي موضوع الاعداد ملهوش تاثير خالص ..والمشكلة في حاجة تانية خالص
وسلملي علي العملية
Post a Comment