كان يا ما كان .. كان لدينا ما يعرف بـ"كلية الزراعة"..
في الوقت الذي نعاني فيه من نقص خبرة زراعية حقيقية في مصر ، وهي عقبة كئود تنضم إلى سلسلة طويلة من العقبات التي تحول دون توسع زراعي حقيقي في مصر من الذي كان يغني به علينا النظام السابق ، اختفت كليات الزراعة من الوجود ، بفعل مكتب التنسيق المقبور ، أو بفعل العرض والطلب المجتمعي على كليات وكليات.. ربما.. وإن كان تحليل ربط اختفاء كليات الزراعة أو اضمحلالها بالعاملين السابقين شديد الشبه بمعضلة البيضة والدجاجة..
فإلى الآن لا يعرف معظم المصريين - بمن فيهم كاتب السطور - على أي أساس يرتب المكتب الـ(*****) مجاميع الكليات ، هل على أساس عرض وطلب مجتمعي أم على أسس لا نعلمها ، ولم يكلف أحد خاطره بالسؤال عنها ، كما لو كانت المطالبة بالشفافية قد نفذ بنزينها قبل أن تصل إلى تلك النقطة بالتحديد.. وفي نفس الوقت فكثير من الناس له العذر في الامتعاض من كلمة "كلية زراعة".. فتلك الكلمة مقترنة بالريف الذي يعتبر أقل في مستوى المعيشة والوجاهة الاجتماعية من المدينة ، والأسوأ أن خريجي الزراعة ، وأهل الريف ، صاروا شبه مرغمين على ترك الزراعة بعد أن انحدر حالها لأسباب عدة ، منها الارتفاع المجنون في أسعار الأسمدة وعدم وجود دعم حقيقي للفلاح ، نقص الأراضي الزراعية نتيجة البناء عليها ، فالأراضي الزراعية إنما خلقت للبناء عليها وليس للزراعة ، كما علمنا صحفيون ركبهم العفريت ركوب الروديو عندما صدر قانون قبل عقدين إلا قليلاً يمنع البناء على الأراضي الزراعية ووصفوه بالعشوائي.. وحتى عندما تم التوسع في الصحراء تم بلا أساس علمي ولا منطقي ، في المناطق التي لا تصلح لبناء منتجعات كـ"عبده لاند" و"عتريس هيلز"..وسلملي ع الوادي الضيق والوادي الجديد..
في الوقت الذي كان يفترض بالإعلام المصري الذي صار كله شريفاً وعفيفاً بعد الثورة أن يفتح مثل تلك المواضيع ويناقشها ، بما أننا في مرحلة بناء دولة ، وبما أن هناك أموراً يجب أن تتحول إلى ثوابت في السياسة الداخلية المصرية ، من بينها نظام تعليم تتعاقب الحكومات على تنفيذه ، ولا تتعاقب على قلشه ونسفه كما كان يحدث من قبل ، وصل بنا الأمر إلى معركة ديوك من الطراز الأول بين جريدتي "الجمهورية" و"الوفد".. على الثانوية الغامة طبعاً..
يقول بعض الخبثاء أن لتلك المعركة أصلاً ، تلخص في مقال لـ"علاء عريبي" انتقد فيه ضمناً السياسة التحريرية لـ"الجمهورية" ، فما كان من صحفيي الأخيرة إلا أن فتحوا عليه النار ، صراحةً ، وضمناً ، بالهجوم على الحزب الأقدم من بين الأحزاب السياسية الحالية واصفين إياه بأنه من "أحزاب الغدر السياسي"..
لنفاجأ بتاريخ اليوم 22/6/2011 بمهزلة صحفية من بطولة الجريدتين لم يسبق لها مثيل..
بما أن الثانوية الغامة الأفيون الإعلامي المعتمد في مصر ، وبما أن "الجمهورية" تحمل التوكيل الرسمي- من وجهة نظرها- للثانوية الغامة ، جاءت لتتحدث عن نماذجها التي فكت ألغاز امتحان الجبر ، مع صورة للطلاب السعداء الذين نجحوا في قهر الامتحان قهراً بفضل نماذج "الجمهورية"..
لتنشر "الوفد" ، وفي نفس اليوم ، صورة لطالبة باكية ، بأسفلها عناوين تؤكد على أن امتحان الجبر صعب للغاية (وأن نماذج بسلامتها لم تسمن ولم تغن من جوع)..
هذا هو ما يهم اثنتين من أكبر الصحف في مصر .. صحيفة يهمها أن تبقى حاملة الختم والشعار ، وصحيفة أخرى قررت رد الصاع صاعين.. وبعيداً عن الغش الإعلامي الذي ارتكبته الصحيفتان بشكل صارخ .. يبقى السؤال عن اهتمام هؤلاء بالتعليم في مصر ، بما أن "الجمهورية" صحيفة "كاومية" أي أنها ملك الشعب ، وبما أن "الوفد" تمثل حزباً لا ينفك كتابه عن الهتاف "الدستور أولاً" أما التفاهات الأخرى فنتركها لوقت لاحق ويواصل كغيره تسويق نفسه كبديل قادر على حكم بلد..
لا صوت يعلو فوق صوت حرب الديوك.. وشقار ونقار ديكة "الجمهورية" و"الوفد" ، حين تصبح الثانوية الغامة معركة كرامة ، ويصبح الامتحان أهم من مصير من يخوضونه ، والبلد كلها.. ومبروك علينا استيراد ما كنا ننتجه من مزروعات ، واستيراد عمالة لنقص العمالة المدربة ، وانقراض تخصصات من هذا البلد كان من الممكن أن تخرجه مما هو فيه..
ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
No comments:
Post a Comment