عدنا بعد توقف .. وتوقف طويل..
وفي مسائل كتلك وفي ظروف كتلك التي نعيشها من المهم أن تتوقف ، وتنتظر إلى أن تظهر ملامح الأمور.. في مرحلة كالتي نحن مقدمون عليها يجب أن ننظر لأبعد كي لا تتكرر كوارث الماضي ، ولا يوجد مجال في مصر شهد كوارثاً من الحجم الملكي قدر ما شهده التعليم في ثلاثة عقود ، مهما ظهر من يهلل ، ويبيع مبادئه مدافعاً عن رابسو سابق أو قبل سابق في الوقت التي يرى فيه الكفيف كل الجرائم التي ارتكبت بحق التعليم العام والفني وقبل الجامعي والجامعي في ظهيرة أغسطس..
في نقطة من الزمن كتلك يجب أن ننظر إلى الثلاثين عاماً "لوكشة واحدة" ، بما مر فيها ومر علينا ، لا إلى خمس سنوات أو سبع أو عشر مضت ، نراجع كيف سارت الأمور ، ونذكر بها أنفسنا ، وغيرنا ، قبل أن ينسى الجميع مشاكل التعليم التي دفع هذا البلد ، ولا يزال يدفع ، ثمنها غالياً جداً ، في مناطق لا تتوقع أن يكون للتعليم بها علاقة مباشرة ، كالاقتصاد والأمن القومي والثقافة ، قبل أن ينسى الجميع كما نسي الكل في السابق التعليم ، وقبل أن تتعامل معه كل قوة سياسية وكل حزب بما يناسب مصالحه وليذهب باقي الشعب إلى أقرب نقطة توصله إلى الجحيم ، وقبل أن ينسى الجميع بعد الثورة ليذكرونا بالحقيقة الوحيدة في السياسة في مصر : نحن أمة تتفنن في تكرار أخطائها بطرق مختلفة في أزمان مختلفة وبأشخاص مختلفة..
ما يبثه التعليم من قيم ، ومهارات ، الكتب المدرسية التي يجب أن تتغير شكلاً ومضموناً ، وجود تطوير حقيقي للتعليم له هدف واضح نعلمه ونفهمه ويمكن تحقيقه ، لا نجده في خريطة تدفق لعينة على ظهر كل كتاب كما كان يفعل رابسو سابق مقبور ، تطوير يستفيد منه الكل في كل مناطق مصر على تباينها اقتصادياً وجغرافياً وثقافياً ، وجود ربط حقيقي للتعليم بالحياة وسوق العمل بعد أن كان ذلك الربط بدعة وضلالة لدى الرابسوماتيك ومن يطبلون لهم ويرنون "الصاجات" ، تحويل التعليم إلى ما هو أهم من شهادة ، ومولد منصوب لها وعلينا ، إيجاد حل لمكتب التنسيق وطبقيته العاهرة التي فرقت بين أبناء الجامعات بعضهم البعض ، بعد أن انكشف زيفه ، واتضح مع مرور السنوات – لي على الأقل وأعترف أنني أخطأت حين أحسنت الظن به ولو على سبيل "إيه اللي رماك ع المر"- أنه لا يحقق أي عدالة ، ولا مساواة ، ولا تكافؤ فرص بين أبناء المجتمع بل يبني طبقية جديدة على أساس الحفظ والاستظهار التي كان الرابسوهات – بكل نفاق ولزوجة- يلعنوها في منشوراتهم وكتبهم وحواراتهم ويعضدوها بتصرفاتهم على الأرض..تحسين صورة التعليم الفني بما يناسب أهميته ،ومحاولة فك ارتباطه بصورة معينة بسلوكيات معينة..جعل التعليم تنويراً لا تبويراً ولا تزويراً كما كان في عهود المجحومين الذين تولوا وزارة التربية والتعليم.. كل ما مضى أمر ملح لا يجب أن يتم التعتيم عليه ولا نسيانه ولا تأجيله..
ربما يرى البعض في فتح تلك الملفات تعجلاً لا محل له ، في وجود حكومة مهزوزة ونخب سياسية تشعر في معظمها بصدمة إمكانية الوصول للسلطة بعد طول عزل ، وقوى سياسية تتسم بالبلادة وسماكة الجلد ، وتيارات دينية لم يملك بعضها ثقافة إدارة دولة ، وبعضها الآخر – المذهبي –على استعداد لإبرام أي صفقات مع أي تيار كان ، ومال سياسي لا يرقب في الوطن إلاً ولا ذمة ، مفلس سياسياً وفكرياً عكس ما يبديه الإعلام المصاحب-زي الموسيقى المصاحبة- لذلك التيار ، ومجموعة من الشخصيات قررت دخول مجال "الشو" السياسي وممارسة لعبة كرة الحنجرة لتستمطر ازدراء الشارع واحتقاره بعد أن كان يحترم كثيراً من هؤلاء .. ربما يرى البعض فتح الملفات سالفة الذكر سابقاً لأوانه ، لكننا في مرحلة يفترض أن توضع فيها قواعد جديدة ، لمن أراد أن يلعب بشكل جاد ، لا لمن أراد أن "يشتغلنا" وهو يزعم أنه "يشتغل لنا"..
من حقنا أن نسأل قبل أي دستور وانتخابات وبنتجان ، هل سيأتي اليوم الذي توجد فيه في مصر سياسة تعليم ثابتة تتعاقب على تنفيذها حكومات أحزاب ، لا أن تتغير بتغير أي موظف في مكتب الوزير؟ هل ستلقى تلك السياسة دعماً من قبل المجتمع وصناع القرار ووسائل الإعلام وحتى من ينفذوها؟ هل ستنفذ تلك السياسة فعلاً أم يتم شغل الرأي العام كما كان يحدث في السابق بكليات "الكمة" وكليات القاع ومعارك الكادر والإضرابات والاعتصامات وأحكام الإدارية العليا وقائمة التفاهات والهبالات؟ هل سيأتي اليوم الذي يحاسب فيه الشعب بطريقة أو بأخرى صناع سياسات التعليم ، ويناقشها المواطنون فيما بينهم كما يناقشون مسائل الدستور والانتخابات والبيضة والدجاجة؟
هل "ناخد بالنا" من الآن ، أم ننتظر حتى يطوى ككل شيء في دائرة النسيان؟
No comments:
Post a Comment