مَن فعلاً لا يزال يهمه أمر التعليم والمتعلمين في مصر؟
السيد المبجل الرابسو يؤكد في كل تصريحاته كما لو كانت لازمة كلامية أن الدولة "تولي اهتماماً كبيراً بالتعليم" وأن القيادة السياسية تؤمن بأن تطوير التعليم "هو المشروع القومي لمصر" ، وقد اعتمدت الدولة ميزانية قدرها كذا مليار جنيه للتعليم وإنشاء المدارس ..
الحزب الوطنجي البيروقراطي يقول أنه يولي اهتماماً كبيراً بالتعليم ، ولا مانع من تسميع بعض الرطانة السمجة عن تطوير التعليم والنهوض به (بما أن المرء منا يسمع تلك التصريحات النهوضية منذ نعومة أظفاره فبالتأكيد يعي الوقت اللازم للتعليم لكي ينهض من النوم)!.. وفضلاً عن الرطانة هناك برقيات التأييد التي يحرص موظفو الوزارة على إرسالها للقيادة السياسية "من حين إلى آخر" - يعني من غير مناسبة - وقصة الكادر الخاص ..ومجموعات التقوية التي تقيمها أمانات الحزب في بعض الأماكن في مصر لمواجهة ديناصور الثانوية العامة..هذه هي كل صلته بالموضوع..
أي صحفي أو أكاديمي عندما يظهر في التليفزيون واضعاً رجلاً على الأخرى يرطن هو الآخر بكلام عن ضرورة اهتمام الأحزاب السياسية بالتعليم ، وبالفعل فإن الأحزاب السياسية والكتل المختلفة في مصر تهتم - كلامياً - بالتعليم ، وفي كل البرامج الدعائية لتلك الأحزاب والجماعات والكتل نسمع كلاماً جميلاً عن التعليم ودوره في بناء الفرد والمجتمع والمش عارف إيه (ولا نسمع شيئاً من هؤلاء جميعاً بمجرد وصولهم للمجلس "غير" الموقر)..
استجوابات التعليم تعد على الأصابع في كل مجلس شعب ، أعني الاستجوابات الجادة التي تتناول انحرافات في الأداء البيروقراطي للوزارة ، أو المناهج الغريبة ، وطرق الدراسة التي انتهت صلاحيتها منذ فترة ليست بالقصيرة .. وقائع تنشر هنا وهناك ولا تعقيب ولا رد من الحزب ولا من المعارضة ولا من الرابسو كما لو كانت تلك الوقائع تتناول التعليم في بوركينا فاسو..
أما الصحافة فلا نستطيع تحميلها ما يفوق طاقتها ، فالصحافة البيروقراطية مشغولة بتغطية تصريحات الرابسو ومولد سيدي الثانوية والليلة الختامية لمولد التنسيق ، أما الصحافة المعارضة (الحزبية والمستقلة بحق وحقيقي والمستقلة فارم فريتس) فقد وجدت الفرصة سانحة في انتخابات الاتحادات الطلابية فرصة ذهبية لأن يكتشف هؤلاء أن مصر بها جامعات عجزت عن الوصول لترتيب محترم على مستوى العالم.. وبالتالي فمن الظلم بمكان أن نطلب من عادل حمودة الخروج من خلوته والكف قليلاً عن الهجوم على رئيس الوزراء على طريقة المظاهرات ونرهقه بمناقشات سمجة عن التعليم المصري ، أو أن نطلب من بكري أن يريح نفسه من عناء النضال القومي ليتفرغ لحال التعليم في بلده بما أنه صار عضو "برطمان" موقر..
وإذا ما اضطر كل من سبق ذكرهم للدخول في نقاش حول التعليم ، يتحول التعليم المصري إلى كرة من النار يقذفها كل طرف للآخر ، فالحكومة تتهم القطاع الأهلي والأحزاب بالتقاعس ، وهو نفس الاتهام الذي يوجهه القطاع الأهلي والأحزاب للحكومة ، وربما تتهم الحكومة الصحافة بتضخيم ما يحدث في مدارس مصر وتشويه صورة التعليم المصري الذي هو -دائماً- بخير وبيسلم عليك (هذا إن كانت الصحف تهتم أصلاً بالموضوع) ..
عموماً .. يبقى التعليم شأناً يهم القليلين من النخبة الثقافية في مصر ، كذلك من اكتووا ، ويكتوون بناره ، ودفعوا مستقبلهم ثمناً لعدم قدرتهم على الحفظ والصم ، أو لأنهم من غير أولي الحظوة في كلياتهم ، ومن أحسوا بعد طول العمر أن التعليم أهلهم ليكونوا طلاباً فقط .. لا ليدخلوا معترك الحياة .. وكم يكون ذلك الإحساس مؤلماً بعد طول تقلب في وظائف مؤقتة تكتشف أنك لا تصلح لها جميعاً..
يبقى المهتمون أقل ، وأصواتهم أخفض ، ولهم حق ، فاليد لا تصفق وحدها ، خاصة وإن كانت كل الأيادي الأخرى ذات الطول والسلطة والصوت العالي تكتفي بالفرجة في برود بريطاني على الذين يدخلون ماكينة التعليم ويخرجون منها كل عام..
وسلم لي على عركة الحجاب ، والكادر الخاص ، والتعديلات الدستورية ، وكل الأمور التي يراها الإعلام المصري والساسة المصريون أهم من التعليم في مصر بل والمصريين أنفسهم!