أشهر من ورَّث "الكار" هم الحرفيون..ولهم أسبابهم المقنعة جداً .. فالفقر الذي لازم صغار الحرفيين لعقود حتى وقت أن كانت لهم "طوائف" ترعى مصالحهم (أو هكذا كانت تبدو) دفع الحرفي الأب للبحث عن شيء يختصر على أبنائه رحلة الشقاء -إن كان غنياً- أو عن شيء لا يتركهم فريسة للفقر المدقع-إن كان فقيراً.. كما أن "الكار" كان يبدو لهؤلاء على مدى فترات طويلة هو الشيء الوحيد الذي يستطيعون عمله لكسب العيش..كما أن الفكرة السائدة في مجتمعنا عن الإنجاب تؤكد على ضرورة أن يكون الابن سنداً ومعيناً لأبيه عندما يتقدم في السن وعليه فيكون من باب أولى أن يعمل الابن إلى جوار والده في نفس "الكار"..
ومع تغير الحال ، وتغير التوزيع الطبقي في مصر ، واندثار بعض الحرف ، وانتشار التعليم أحجم العديد من الحرفين عن توريث مهنهم بل نفروا من تلك العادة ، فمن اغتنى منهم أصبح معه من المال ما يجعله يفكر في تعليم "متميز" لأبنائه ليحصدوا به مكانة اجتماعية فشل الآباء في حصدها طوال حياتهم ، ومنهم من استنار فرأى أنه من حسن الفطن عدم توريث الكار .. وترك الاختيار لجيل الصغار..
هذا عن الحرفيين ، البسطاء في مستواهم التعليمي والثقافي وكل الاحترام لهم.. لكن ماذا عن أساتذة الجامعات الذين يورثون أقسامهم ، وكلياتهم ، وتخصصاتهم لأبنائهم توريثاً؟
ما هو الدكان الذي سيتركه هؤلاء لأبنائهم؟ وأي نوع من "المرمطة" التي سيوفرها هؤلاء عليهم؟ مرمطة الحفظ أم مرمطة الصم أم مرمطة البحث؟
أتفهم أن يكون ابن السباك سباكاً ، وابن النجار نجاراً ، للأسباب السابقة مضافاً إليها أن هذه المهن قد تتطلب مواصفات بدنية خاصة يمكن للوراثة أن تلعب فيها دوراً.. لكن ما هي المواصفات العقلية الاستثنائية التي يرثها "كل" أبناء أساتذة كليات الطب -على سبيل المثال لا الحصر- كي ينبغي عليهم أن يدخلوا نفس السلك؟
أعرف أن الحرفي الابن يدخل الورشة مع الوالد ويتعلم منه ويتلقن "أساسيات الصنعة" ويعمل في الورشة أو الدكان من سن صغيرة ، هل هذا يحدث بالنسبة للأكاديميين الجامعيين والمهنيين ذوي الأصول الجامعية؟ (يعني تروح عيادة دكتور سنان تلاقي المحروس ابن الدكتور هو اللي بيطهر "العدَّة" مكان التمرجي؟)
هل لا يكفي -لمن تمطع بالسلطة في الحرم الجامعي وخارجه-لأن يقال لابنه "ابن الدكتور فلان" "حاف" كدة.. بل يجب أن يكون "الدكتور ابن الدكتور فلان"؟
كيف ينظر المورِّثون في الجامعة ، ويُنَظِّرون للديمقراطية ، وحروق الإنسان ، وتداول السلطة والطحينة فيمَ -لولا بقية من حياء- يقسمون المناصب الجامعية كتركات لأبنائهم ويتقاتلون عليها تقاتل الأسود الجائعة على فريسة ميتة؟
No comments:
Post a Comment