هناك نوعية من الأخبار تستطيع أن تفتي من مكانك بأنها حبظلم بظاظا .. مثل إحصائيات ما يسمى بالمركز القومي للبحوث والإرهاب ، وهناك نوعية من الأخبار أصنفها كـ"دخان له نار".. تصدق حدوثه وتعتقد في وجود ما هو أسوأ منه..
من ذلك ما نشرته الدستور قبل أيام عن طالب في كلية الإعلام يواجه مصيراً مظلماً .. لا لشيء إلا لأنه استشهد في بحث أو في مشروع برأي لـ"الجبرتي" "يبدو" مناهضاً لـ"محمد علي"!
أنا شخصياً أصدق الواقعة..رغم التأكيد اللبق للدكتورة ليلى عبد المجيد عميدة الكلية أنها "لا تعرف شيئاً عن الواقعة" و سوف تحقق فيها.. فالتهريج في مصر في تقدم مستمر ومطرد ..
كان يمكن فهم وتفهم تلك الواقعة لو كانت الآراء التي جمعها الطالب من أي مصدر كان تنتقد شخصيات من التاريخ المعاصر كالرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، أقله كان يمكن القول بأن الأستاذة التي قررت حرمان الطالب من الامتحان ذات ميول ناصرية متعصبة ، بما أن التعصب السياسي والديني عندنا لا يختلف كثيراً عن التعصب لكرة القدم.. لكن ما هو مبرر ما حدث؟
محمد علي مات وشبع موت .. ولا يزال شخصية خلافية حتى هذه اللحظة ..ومن حسن حظنا -وسوء حظ الطالب- أنه يمكن تجميع كل آراء من عاصروه ومن لم يعاصروه في سياساته الداخلية والخارجية ، سواء من رفعه منها إلى مصاف التقديس أو من خسف به وبداره الأرض أو حتى ما تعامل معه كمجرد سياسي كان له مشروع خاص به حاول تحقيقه وفشل..
محمد علي لم يكن شيطاناً مريداً ولا ملاكاً هبط من السماء.. لكن تقول لمين؟
في حال ثبوت صحة تلك الواقعة التي لا أستبعدها يتضح لكل ذي عينين أننا نعود للخلف ، وأن هامش الحرية الذي نفضفض من خلاله يتم "عضعضته" على يد أشخاص لا يعرفون كثيراً عما يفعلون .. اليوم أصبح جمع آراء تنتقد حاكماً توفي منذ 150 عاماً فقط جريمة تستحق إنزال العقاب بصاحبها ، غداً سيتم نصب المشانق لمجموعة من الناس قررت عمل فيلم عن محمد علي إن ثبت "ثقل دم" التناول على دم أشخاص أكثر "علوية" من الأسرة "العلوية".. وبعده يمكن أن نرى واحداً من الشلة إياها يطالب بسحب الجنسية المصرية من شخص "يختلف سياسياً" مع رمسيس الثاني.. فلا يزال الأموات يحكمون أفكارنا وتفاسيرنا ويحكموننا من قبورهم في التعليم والسياسة وحتى الفن.. وإلا فبماذا تفسرون أن أشهر مباني مصر قبور وأضرحة وأهرامات؟