لتتهمونني بالسذاجة ، أو بقلة الفهم ، أو بـ"الرومانسيكية" الزائدة عن المسموح والطيبة التي تفضي إلى العبط ، لكنني لا أفهم سر هذا الهوس الضخم الذي صاحب اليومين السابقين بخصوص المسماة الثانوية العامة..
أعتقد أن أي شخص من خارج بلادنا العجيبة سيصاب بحالة من الاستغراب عندما يرى الصحف القومية تخصص مانشيتاتها الرئيسية - أكرر : مانشيتاتها الرئيسية -لأخبار نتائج الثانوية العامة ، سيتطور استغرابه إلى ذهول عندما يرى أولياء الأمور في أنصاص الليالي متزاحمين على مقاهي النت التي تعرض خدمة النتيجة ، وسيتضاعف ذهوله عندما يفتح التليفزيون اليوم ، وسيصل لقمته عندما يخبره أي دارٍ بالشئون المصرية أن الثانوية العامة هي مجرد شهادة عامة كأي من مثيلاتها في العالم المتقدم والمتخلف على السواء!
عشرات المواقع تعرض خدماتها ، بمن فيها موقع وزارة التربية والتعليم نفسه ، في توصيل النتائج للمتلهفين عليها قبل الموعد المقرر لها.. أضف لذلك سباق الهمبكة المعتاد بين الحزب الوطني والآخرين على تقديم هذه الخدمة الجليلة..وربما يصل الأمر كما علمت للبحث عن "وسايط" لمعرفة النتيجة!
مبدأ الاستغلال الملعون الوغد يفرض نفسه ، حالة التوتر التي يصل إليها أولياء الأمور والطلبة تصل لذروتها يوم النتيجة فنجد ألف من يستغلها ويضاعفها وينفخ فيها لتحقيق مزيد من المال والمكاسب السياسية والدعائية..
كل هذا الاستغلال على حقارته نقطة في بحر استغلال الميديا ، فالصحافة أصبحت لعبتها الثانوية العامة خصوصاً الصحافة الحكومية ، ملاحق طوال العام ، وتوقعات مرئية ومسموعة ومشمومة ، ومانشيتات حمراء كبيرة زاعقة ، وتركيز مبالغ فيه على الأوائل والدرجات والمجاميع والتنسيق (اللي بقى "إلكتروني"-مسخرة!)..
كان الرعب في الشارع من الثانوية العامة قيراطاً ، فتحول إلى عشرة فدادين ، وأصبحت تلك الشهادة شيئاً لا يفوقه - مباشرة- إلا يوم القيامة الذي بعده خلود بلا موت ، خاصة بعد "بَروَزة" المجاميع العالية ومجاميع التنسيق ، والتي أصبح بعدها من يحصل على 95% "على باب الله" ولا يستطيع دخول كلية ، تخيلوا تأثير ذلك على أولياء الأمور والطلاب المتأثرين - أصلاً- بحسابات مجتمعية معقدة كانت تحتاج ليد الميديا والمسئولين لتساهم في تغييرها وإصلاحها..
الرعب لا يخضع يا سادة لقوانين نيوتن ، فلكل رعب رد رعب مساوي له في الاتجاه مضاعف له في المقدار، سيتضاعف الرعب من الثانوية العامة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه إلى ما هو أبعد من الإغماء وحالات الانتحار والغش الجماعي واستخدام الوسائل غير المشروعة لاجتيازه وتخطيه..
صدقوني .. سيمصمص "الأشقاء" - وغير "الأشقاء" - الشفاة على ما آل إليه حال المجتمع المصري التي تقيمه شهادة وتقعده ، وعندما تسنح الفرصة يستغل (وربما -جداً- ينهش) بعض أفراده البعض الآخر.. ستصير الثانوية الكالحة اللبانة الجديدة التي تلوكها ألسنة أخرى في العالم العربي بعد فتيات الليل (رغم تواجد الدعارة بكل أنحاء البسيطة) وإحصائيات "المركز القومي للبحوث" (المشكوك في صحتها).. وربما تخرج نكت جديدة علينا كمصريين محورها تلك الشهادة!
متى يعرف من ينفخ في نار الثانوية العامة بهذه الطريقة أنها لن تحرقه وحده؟
متى نفيق؟