لا يمكن أن أصدق أن العالم كله به سبع عجائب فقط بما أن هذا البلد به سبعين على الأقل.. البيروقراطية المصرية من أكثر الأشياء إثارةً للدهشة في مصر .. فمن البيروقراط حيتان للدروس الخصوصية ، وأصحاب مشاريع مالية وتجارية ضخمة ("صفاء أبو السعود" كانت إلى وقت قريب على قوة وزارة الثقافة في مصر!) ، ومع ذلك يتعاركون على "ملاطيش" الحكومة رغم أنهم ينفقون في اليوم الواحد أضعافها.. ونجد بعضاً آخر منهم يرتشي ، و"يهلب" من تحت الترابيزة ، ثم يتظاهر ويحتج ضد الفساد ، وبعضاً ثالثاً يتظاهر ضد رؤسائه ويحتج عليهم بحجة أنهم يسرقونه ، وهو يعلم أنهم كانوا يسرقونه طوال الوقت ، ويسكت لأنه كان يقتسم معهم ، فلما جد في الأمور أمور انقلب عليهم.. وكل ما سبق كوم.. والآتي بعد كوم مستقل بذاته..
النظام البيروقراطي قائم بشكل عام على "السمع والطاعة" والاحترام التام لـ"التعليمات" التي تستمد قوتها من "الأعلى" في السلم الوظيفي .. فـ"المدرس" يتقيد تماماً بتعليمات "الناظر" و "توجيه المادة".. و"الناظر" يتقيد بتعليمات سياسة "الإدارة التعليمية" .. و"مدير الإدارة" يتقيد بسياسات وأوامر من فوقه .. وهكذا..
ورغم رسوخ البيروقراطية الشديد في حياتنا إلا أنه تحت هذا التشدد الأعمى والتسابق في التزلف لـ"الأعلى" تتوحش الفوضى التي يسير فيها كل بيروقراطي على هواه.. من هؤلاء الفوضويين من تأخذه الجلالة ويتصرف بمزاج مزاجه .. ومنهم صنف أكثر استفزازاً يغلف ممارساته بالتواشيح البيروقراطية من عينة "في ظل تعليمات .. وتوجيهات .. الخ"..
في كتاب خارجي فوجئت بسلسلة من العجائب في نماذج أسئلة النحو في المرحلة الإعدادية تستعصي على فهم الإنسان العادي..تلك الأسئلة وردت في امتحانات الإعدادية بالمحافظات خلال عامي 2003 ، 2004.. ما الذي يجبر مدرس لغة عربية يفصل اثنين من "عبد الحميد دراز" على كتابة نفاقية فاقعة لمحافظ كان- وقتها- يشغل منصب محافظ إحدى محافظات الصعيد الجواني (قبل انتقاله إلى محافظة ساحلية كبرى).. يشيد فيها بالثورة التي قام بها سيادته في تجميل المدينة ، وإضفاء اللمسة الحضارية على عاصمتها؟
بلاش دي.. ما الذي يجبر آخر في محافظة بحراوية على تحويل أسئلة التعبير إلى مهرجان دعاية حزبوطني؟ وما الذي يجبر ثالث على أن يستغل ثالث قطعة النحو للهجوم على فيلم "مبروك أبو العلمين حمودة" ، والذي أشك - وبقوة- أنه شاهده أصلاً؟ هل يزعم الأولان أنهما يرضيان أسيادهما بتقديم خدمة لم يأمروهما بها؟ وهل يزعم الثالث أنه يدافع عن كرامة المعلم بهذا التصرف الجاهل والأحمق؟ وهل سيصدقه أحد عندما يعرف عن المثالين السابقين وأكثر؟ ..وماذا عن الذين حشروا قصة "أجريوم" في الامتحانات؟ ..أياً كان الجدل حول المشروع والذي لمسته بنفسي خلال زيارة عابرة لدمياط العام الماضي فلا يبرر ذلك بالمرة جعل الامتحانات مسرحاً لهذا الجدل بهذا الشكل المبتذل..
من الذي أخبر هؤلاء أن هذا الـ($#%$#%) هو الأسلوب الأمثل لتقديم الخدمات المجانية لهذا وتلك؟ أضف إلى كل هذه الأسئلة سؤال رجل الشارع العادي الذي يسأله عندما يرى هذا القرف أو عندما يفاجأ بتقاليع أسئلة الامتحانات إياها : "اللي حاطط الامتحان دة مش له رؤساء؟ هوة ما بياخدش منهم تعليمات؟"..
لكن أين التعليمات؟
التعليمات تظهر فقط مع كاميرا التليفزيون وطلة الصحفي البهية .. فعندما تظهر الكاميرا ويطل الصحفي يتغزل البيه بتعليمات من فوقه أكثر من تغزل "عمر بن أبي ربيعة" بمن يحب.. وتظهر -أحياناً- في حالات معينة يكون غرضها "الشو" في برامج التوك شو الفاشلة وأيضاً لإرضاء "اللي فوق"- بطريقته الخخخخ..ـاصة..
هذه هي قمة العبقرية ، تشنج وتشدد وتشدق بالنظام من الواجهة ، وفوضى "مسخسخة" من الداخل بلا رقيب ولا حسيب.. وسلم لي على التعليم من أجل التغيير.. هؤلاء علمونا ، وسيعلمون أبناءنا أن يكونوا نسخاً طبق الأصل منهم.. ثم نتساءل وبراءة التماسيح في عينينا: يا مصري ليه دنياك لخابيط والغلب محيط.. والعنكبوت عشش ح الحيط وسرح ع الغيط؟- مع الاعتذار للشاعر الكبير "جمال بخيت"..