1-إذا أردت ترويض الشوشو البيروقراطي يقدم لكم "أخوكم الصغنن حلاوة" -من عينة "أبو المحاسن" في "الدالي-هذه النصيحة: لا تكتفي فقط بسماع الكلام ولكن زد عليه تسميعه.. فأكم من موظفين بيروقراط اكتفوا بسماع الكلام وتنفيذه ووجدوا أنفسهم منقوصين من نصف مرتباتهم أو منقولين إلى الأماكن إياها.. لكن ناظر المدرسة الموقر التي استضافته البريمادونا كان أكثر ذكاءً ووعياً حين لهج من حين لآخر بالشعارات الرابسوماتيكية الرنانة عن المشاركة المجتمعية كمبرر ومسوغ لتحويل مدرسة إلى صالة أفراح بالليل والدنيا ضلمة!
2-وتعبير "المشاركة المجتمعية" أصبح فزورة تستعصي على الفهم .. مقرونة بالعادة المصرية -للأسف- المعاصرة باللف حول الكلمة دون الدخول إلى تفاصيلها .. فمن يذهب إلى الموقع الرابسوماتيكي على الشبكة العنكبوتيكية يلمس أنه يفترض أن المجتمع يشارك في المدرسة في محاولة منه لتقليل اعتماد المدرسة على الحكومة المركزية .. ومنح مجالس الآباء سلطات أوسع في إدارة وتوفير التمويل اللازم للمدرسة (إذا كانت المدرسة حتمول نفسها بنفسها وحتدير نفسها بنفسها فما الحاجة للوزارة إذن) ..فما علاقة ما حدث في "سندوب" بما يسمى "المشاركة المجتمعية"؟
حتى في اتخاذ قرار "غير تقليدي" كهذا -إن كان مجلس الآباء والمعلمين قد اتخذه بالفعل- أنت بحاجة للرجوع إلى "المركز" -سواء كانت الوزارة ممثلة في وكالة الوزارة في المحافظة أو في المحافظ الذي هو ممثل رئيس الجمهورية في الإقليم طبقاً للدستور..
3-في "العاشرة" أذيعت لقطات للمدرسة .. والتي أستغرب كونها موجودة في "سندوب" الضاحية الصغيرة من ضواحي مدينتي "المنصورة ".. قد يكون للجهود الذاتية تأثيرها .. وهي تقليد قديم في "الدقهلية" أقدم من السيد الوزير وشعاراته يعود لمحافظها الراحل الكبير "سعد الشربيني" .. ولكن أعرف أن كل عضو في البلَّمان-مع الاعتذار لأستاذنا "أحمد رجب"- يزغلل عيون ناخبيه بالخدمات يفتح مدرسة هنا ، فيغيظه الآخر بمدرسة هناك .. والنتيجة عبء زائد على الحكومة المركزية ، وعلى مجالس الآباء والمعلمين .. وعدم عدالة في توزيع الخدمة التعليمية .. ففي الوقت الذي من الممكن أن تتواجد فيه عدة مدارس "كبيرة" في قرى وضواحي صغيرة قليلة في عدد السكان نجد أن مناطق كاملة في عواصم المحافظات يسكنها مئات الآلاف من البشر تتواجد بها مدرسة ثانوي أو إعدادي يتيمة.. ثم تشكو الوزارة من ارتفاع كثافة الفصول!
إذن إن كنت من سكان تلك المناطق العاصمية التعسة.. فعليك أن تتقدم بطلب إلى عضو مقلة الشيعب في دائرتك وهو سيفحص المطلوب كي ننتقل بحمد الله وتوفيقه من مركزية الوزارة إلى مركزية عضو المجلس الموقر!
4-سَفَه المقابلة ، وسَفَه فكرة "الشحتفة" على "الظلم" "البين" الذي لحق بالسيد الناظر هو فكرة التعاطف مع موظف استغل سلطاته وينعي على الموظف الأكبر -اللي هو المحافظ- أنه استغل سلطاته.. كما أنك لا تعرف من يقول الحقيقة .. هل هو الناظر الذي يقول أنه استأذن إدارة غرب المنصورة التعليمية ، أم مدير الإدارة الذي نفى علمه بما حدث جملةً وتفصيلاً؟!
لاحظوا أن تعليقات الناس على الخبر المنشور في يومية "المصري اليوم" تشبه بنسبة كبيرة التعليقات التي تُعُمِّدَ تمريرها في برنامج "العاشرة مساءً".. ومن أبرز حجج أصحاب تلك التعليقات المؤيدة للناظر أن الرجل "لم يختلس" .. قد يكون هذا صحيحاً .. لكن حتى ولو اختلس فإنه سيجد من المتعاطفين ألوفاً.. أن تكون علاقتك بالحكومة الحالية سيئة هذا أمر طبيعي رغم أن هذا البلد حكمته حكومات أسوأ ألف مرة وسادته سياسات تعليمية ملعونة ولم يسخط عليها أحد.. لكن الجديد والسيء في الموضوع أننا انتقلنا من فكرة السخط على حكومة فلان إلى فكرة السخط على وجود حكومة .. ومن فكرة السخط على الدولة في وجود المسئول فلان والمسئول علان إلى فكرة السخط على الدولة بمؤسساتها من حيث هي..منتهى الخطورة لمن يرى..
5-هذا لا يمنع أنني فشلت في فهم اللامركزية التي قال الرجل أنه يطبقها.. فهي مكتوبة في ويب سايت الوزارة في صفحة فارعة الطول وبأسلوب مقعر و"مجعلص" يصعب على الفهم رغم أن الأهداف والسياسات يجب أن تصاغ لغوياً بعبارات واضحة يسهل فهمها على من يفترض به أن يعرفها ويطبقها .. هي أشبه بلوحة رسمها أحد أدعياء الفن التشكيلي عبارة عن ورقة بيضاء بها خط مائل .. يتركها لك سيادته لكي تحاول فهمها.. أهي دعوة جادة لأن يساهم المجتمع فعلاً في جعل المدرسة مكاناً للتعليم الجاد .. أم هي دعوة جادة من قبل الحكومة لـ"الخلعان" من مسئولية عملية التعليم.. حسناً.. لقد رأينا في وقت سابق من هذا العام كيف كانت اللامركزية على أصولها في امتحان الثانوية العامة..
6-ومن أكثر الفقرات إضحاكاً في الموقع الرابسوماتيكي فقرة "التحديات" التي تواجه "اللامركزية" والتي من بينها "عدم انتشار ثقافة اللامركزية مما يشكل ضغطًا على القيادات المركزية والقيادات اللامركزية فى آن واحد" و "عدم اعتياد القيادات التعليمية اللامركزية على ممارسة سلطاتها بعيدًا عن تدخل الإدارة المركزية".. لا تعليق أكثر..
7-منذ بدأ الرجل في اللعب على اسطوانة "تصريح الأمن" ثم استشهاده بقول الحق عز وجل "إن الله يدافع عن الذين آمنوا" كما لو كان متخذ القرار ضده كافراً .. ومنذ أن بدأ في تكرار الكلام الرابسوماتيكي ..فقدت أي تعاطف مع هذا الرجل.. هذه النوعية من الموظفين لا أطيقها.. اعذروني فأنا وش فقر!..
اللامركزية التي يزعمها سيادة الجالس على الكرسي الرابسوماتيكي تحتاج إلى وعي من الشارع .. تماماً كذلك الذي كان متوافراً لدينا يوماً في تجربة الجهود الذاتية بدون توجيه من وزير أو خفير .. وإلى وعي من جانب الموظفين القائمين على تنفيذ اللامركزية (رغم أنهم يقبضون رواتبهم من الحكومة المركزية).. غير ذلك فهو استمرار لسياسة "العربة فوق الحصان".. والتجارب الجادة لا تحتاج إلى تقاليع ومبررات وتتم في صمت.. ليت تطوير التعليم يتم في صمت ويستشعره الناس بدلاً من أن يتم بهذا الشكل الحالي.. الصمت أصدق إنباءً من الهذر!