أهم الأشياء التي يضيفها العلم لحياتنا هو تنظيم التفكير ، والخروج به من دائرة العشوائية والفهلوة .. والعلم في حياتنا وحتى في دوائر صنع القرار وجوده مثل عدمه..
العلم اختزل في الشهادات التي تملاً "سيفيهات" البكوات في كل مصلحة حكومية وجامعة ووزارة ، والتعليم اختصر في "العملية" ، وهي اختراع مصري فيما يبدو لم يسبقنا به أحد من العالمين.. ولم يستقر أحد على تعريف العملية تلك ، ولا على الفرق بين "العملية التعليمية" والعملية الجراحية على سبيل المثال!
بل إن تلك العملية المعجزة تحتوي من الأسرار ما يستعصي على فهم "الدالات" الذين جلسوا على الكرسي الرابسوي ، وعلى "دالات" القهاوي الذين يملأون الصحف والمجالس النيابية كلاماً عن التعليم وسنينه في مصر..
استوقفني التصريح اللمبي الذي خرج من مجلس الشعب ، وقيل من رئيس مجلس الشعب وهو وزير تعليم أسبق تاريخه كان ناصع السواد طوال فترته في الوزارة ، بأن الدروس الخصوصية "عيب في العملية"..
هذا العيب كان ماثلاً أمام عدد من وزراء التعليم السابقين لعقود تفوق عمري أنا ، وأمام الوزير المذكور نفسه ، بل استشرى في ولايته ، ووقف الجميع يتفرج عليه ، ولم يناقش في الغرف المغلقة بما يحتمل من جدية ، وكأن الدروس الخصوصية ظاهرة طبيعية مثل إعصار جونو لا دخل للبشر به!
مفارقة غريبة .. القائمون على التعليم الذي من مهامه تخليص عقولنا من العشوائية عالقون حتى الآذان في مستنقع العشوائية ، والذي ينتهي بأصحابه إلى تحويل المشاكل إلى أمور طبيعية و "قضاء وقدر" بعد العجز عن التفكير فيها وعرضها على العقل..
مثلها في ذلك مثل الغش الجماعي ، القضاء والقدر الجديد طبقاً للتفكير الرابسوماتيكي..
كان أمام الوزير ، ومديري الإدارات التعليمية الذين يريد الوزير إعطاءهم سلطات أوسع ، عام كامل ، لوضع إجراءات مشددة لمنع الظاهرة قبل حدوثها .. ولتفادي مشاكل امتحان الثانوية العامة الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من "العملية" .. لكن ما حدث هو فاصل من الفرجة والقرارات المتأخرة بعد اصطدام الطوبة بالمعطوبة ، وآخر المتمة اختيارات غريبة لمسئولي الكنترول في امتحانات الثانوية السامة ، ثم أزمة أوراق الإجابة المحترقة..
وطول ما المجاميع والعينات العشوائية (اختراع مصري جديد) في العالي ، فالعملية تمام التمام ، ولا مجال لمناقشة العملية أو عرضها على المخ والكبدة والطحال!
فيما يبدو سنبقى مع العملية المعجزة طويلاً ، وقد يلحق أحفادنا بذلك المصطلح ، وبكل الكوارث التي ستصبح قضاءاً وقدراً ، وبالاتكالية والعجز وفقر التفكير الذي لا يليق بأكاديميين في مواجتها..
بشر حمقى الخطا .. سحقت هاماتنا خطاهم!