أتوقع أن تثير هذه التدوينة حالة عارمة من الغضب لم تثرها تدوينة للعبد لله على المدونة الشقيقة "الدين والديناميت" عن قناة "الناس" ، لذا أطلب منكم قبل صب جام الغضب على شخصي المتواضع أن تفكروا في وجهة نظر كاتب هذه السطور والتي أراها أيضاً وجهة نظر شريحة لا يجب الاستهانة بها حسابياً على الأقل..
أولاً.. لنتفق ابتداءً على أن علاقة التعليم بالمجتمع أوسع مما نعتقد أو مما يريدنا البعض أن نعتقد ، التعليم في مصر يقدم الأطباء المصريين والمهندسين المصريين والمحامين المصريين والقضاة المصريين.. ثانياً.. لنتفق مرة أخرى - تاني معلش- على أن التعليم في مصر في العصر المباركي لم يكن صفاية موز وجنينة مانجة على رأي الراحل "نجيب الريحاني" ساخراً من الباشا "سليمان نجيب" في فيلم غزل البنات (1949) قبل أن يعرف هويته ، وأن سوء مستواه انعكس ، وينعكس ، بكل السلب على المستوى المهني لكل خرجه ، وفي هذه المدونة وفي غيرها لدى أصدقاء وزملاء انتقادات ونقد لكل ما حدث في تعليم المرحلة المباركية والذي لا نزال ندفع ثمنه إلى لحظة كتابة هذه السطور..
إذن من البديهي ، ومن عدم الاستعباط على الذات واشتغالها ، أن يتأثر المعلم المصري والطبيب المصري والمهندس المصري والمحامي المصري بكل ما تشربوه خلال فترتهم في سجن التعليم المصري ، فالتعليم المصري المباركي مثله مثل السجن ، يدخله المجرم صغيراً فيخرج منه محترفاً ، ليصبح جزءاً مما يحدث من فساد ومشاركاً وشريكاً فيه بدلاً من أن يتمرد عليه..
قبل أن تغضب ، أذكر نفسي وإياكم بما قاله أحد كبار أعمدة الطب في مصر عن أن كليات الطب في مصر تستقبل عدداً أكبر بكثير مما تستحق ، وأن تلك الكثرة العددية أكبر بمراحل من قدرة وإمكانيات الجامعات وتجهيزاتها ، وأضيف : وأكبر حتى مما يحتمله سوق العمالة في المجال الطبي ، حتى لو افترضنا أن هناك قصوراً في إمكانيات الجامعات ، العدد ضخم ، والسبب هو حسبة كليات القمة وكليات القاع التي تنفق من أجلها الأسر المصرية مبالغ قد تصل دون مبالغة إلى المليارات من الجنيهات من أجل الوصول لكلية من كليات القمة ومن أجل الخمسة عين التي يكتشف الخريج أنها خيال علمي ، خصوصاً لو كان من المغضوبين عليهم من أطباء وزارة الصحة الذين يكتفون بملاطيش الحكومة وليس من أبناء أساتذة الجامعة حماهم الله الله الله ولا من الدكاترة الذين يعملون في خمسين عيادة خاصة ويبقون على مطاردتهم لملاطيش الحكومة ويطالبون بزيادتها بينما لا يعطون إلا الوش الخشب للمريض غير القادر على الدفع..
وعن تأثير الكثرة العددية المبالغ فيها وغياب ما يسمى بالـ Merit system أحدثكم كتجاري سابق ، في زمن محاضرات الإنتاج الكثيف ، التي تستوعب من الحبايب ألفين في قاعة تعد من الأكبر على مستوى البلد ، أتحداك أن يصل مضمون المحاضرة لأكثر من عشرة بالمائة ، والعشرة كثير ، من عدد الحضور في محاضرات المواد التجارية ، وقس على ذلك ما يحدث في كليات القاع المغضوب عليها الأخرى بفعل مكتب التسييق حرقه الله في نار جهنم..
العدد كبير ، التعامل معه يتم بحماقة ، كمية من القيم السلبية يتشربها أي طالب ، وعلى رأسها علاقتك بالمعلم ، بكسر الميم ، أستاذ الجامعة ، قيل لي أن أتعامل مع أستاذ الجامعة كـ-أستغفر الله العظيم- نصف إله ، كلمته هي الحق المطلق ، يستطيع بجرة قلم أن يحول حياتك إلى جنة ، ويستطيع بجرة أخرى أن يحول حياتك إلى جحيم مقيم ، لا تفكر في إغضابه ، ولا في مناقشته ، ولا في سؤاله حتى ، واسأل الله أن يرضيه عنك وعن أفعالك علشان الأربع ولا الخمس سنين تمر على خير.. ويمكن ربنا يرضى عليك وتبقى معيد ، وتتحول إلى عسكري مراسلة عند السيد العميد ومن يناقشون رسالتك ، على نحو أسوأ مما كان عليه الحال في مسرحية "لينين الرملي" "سك على بناتك" ، ولا مانع من أن تفعل ما لم يفعله "أحمد راتب" بمناسبته للعميد ، ناسبنا الحكومة ، وبقينا قرايب ، على غرار ما فعله "عمر الشريف" في فيلم "بداية ونهاية".. لتدخل مجتمع الحلقة المقدسة على غرار مجتمع ما اعتقده الإغريق آلهة مثل فينوس وهيرا وأخيلوس وآخرين..
كن عسكري مراسلة للعميد وولاده ، قبل التخرج وبعده ، لا تقترب من أحد منهم فألف عين تقترب منك ، حتى لو سولت لأي من شذاذ الآفاق - (الجامعة مطروحاً منها أولاد الست) - الاقتراب من أي منهم .. حيشيل أوبح ..وأعنيها..
كلنا تخرجنا من الجامعة ، كنا شهوداً وشركاءً فيما حدث ، والبصمات اللي على الجثة وسلاح الجريمة مش بصمات حد غريب ، والحمد لله أنه يوجد في كل مهنة وطائفة من يدرك أنه شارك في الخطأ والخطيئة ولا تأخذه العزة بالاثم ولا يتصور نفسه ملاكاً في غابة تسكنها الوحوش وتعربد فيها الشياطين..
التعليم الطبي خرج مما خرج - لنعترف- أطباءً سيئين ، منهم من يهاجم ويحتج ويتظاهر في الشوارع ويهددنا بالإضراب ، التعليم القانوني خرج نسبة من المحامين علاقتها بالأخلاق كعلاقة الأرنب بالبيانو بإزي الصحة ، ومجموعة من المهندسين في بعضهم ما فيهم.. ومحاسبين لا يعرف كثير منهم عن مهنتهم التي لا يعرفها المجتمع نفسه أي شيء فيبحث عن مهنة أخرى في أي مكان آخر وليذهب شقا سنوات التعليم إلى الجحيم .. أما التعليم التعليمي فخرج لنا معلمين مِعَلَّمين ، وحش الكيمياء ، قاهر الفيزياء ، تشرشل الإنجليزي وميتران الفرنساوي..
ومن الطبيعي أن يتسبب الأطباء الفاشلين خريجي التعليم الفاشل في فضائح داخل وخارج البلاد ، مثل المحاسب الفاشل والمحامي الفاشل وكل فاشل ، والمصيبة أن الفاشلين يتقمصون دائماً دور الضحايا في كل مصيبة تحدث في مصر أو في دول الجاز أو في بلاد أونكل سام ..
أليس ذلك كافياً للمجتمع ، ولمنتسبي كل مهنة ، أن يثوروا ويطالبوا ، إلى جانب مطالبهم المشروعة ، بإصلاح التعليم الجامعي وقبل الجامعي في مصر ، كي لا تكون الجامعات مدرسة نتعلم فيها الوصولية والشللية وعبادة الفرد ومسح الجوخ ، أليس من الأولى لمن يطالب أن يرى إن كان هو نفسه على مستوى المسئولية فيطالب بنفس ، أو كان فاكساً فميسمعناش حنجوري على المسا ، إذا كان الله عز وجل لم يساوي بين من يعلم ولا يعلم ، فهل أساوي بين طبيب فاشل وطبيب ناجح ، أو مهندس فاهم ومهندس مالهوش فيها ، أليس من الأولى أن نتذكر أننا لسنا ملائكة بدلاً من أن نعامل مجتمعنا المحيط في الإضرابات وغيرها على أنهم شياطين؟
إنك لا تجني من الشوك الشوك .. العنب العنب.. مع الاعتذار للمبي اللمبي.. عذراً لحدة اللهجة..