Wednesday, August 27, 2008

أربعة ورا!

عجيب والله عجيب أمر العقلية الرابسوماتيكية .. يتحدثون بلباقة عن المشاكل وأسباب المشاكل ليمضِ بهاليلهم في صحف الهلال والمقشة وغير الهلال والمقشة في تكرارها كي نجترها ونحفظها عن ظهر كلب مسعور.. في حين أن كل خطوة يتخذها الرابسوماتيك من أجل حل تلك المشاكل تسهم في زيادتها تفاقماً!

هم يتحدثون مراراً وتكراراً عن زيادة عدد الطلبة في الفصول .. باعتبارها أس المصائب في العملية التعليمية .. ويدعون أن ما يقدمون من حلول سوف يقطع هذه المشكلة من لغاليغها.. ومن ضمن تلك الحلول حل مقتبس من صميم الثقافة الميكروباظية المصرية.. وشعارها الذي يسجله التاريخ بحروف من نور: أربعة ورا!

بدلاً من إضاعة الوقت والجهد في إنشاء مدارس جديدة ، يتم دمج عدد من تلك المدارس في بعضها البعض فتزيد أعداد الفصول وبالتالي يمكن توزيع الطلاب عليها وحل مشكلة تكدس الفصول..

نشرت "اليوم السابع" تقريراً عن تلك التجربة "الراقدة" .. ضاربةً مثلاً بمدرسة لغات تجريبية شهيرة في المنصورة تم إنشاءها كواحدة من سلسلة من المدارس بموجب منح من الصندوق الثقافي الفرنسي.. وتم "تكليفها" والصرف عليها وتجهيزها لتقديم خدمة تعليمية متميزة.. لكن مسئولو الرابسوماتيكية كانوا أذكى بكثير فقرروا الدوران عن طريق صلاح أبو سالم ودمجوا مع المدرسة مدرسة لغات تجريبية أخرى..

تلك المدارس كما سلف الذكر تم الإنفاق عليها وعلى تجهيزاتها لتقدم خدمة "مغرية طبقياً" وفي الوقت نفسه "موازية" لخدمات مدارس اللغات الخاصة .. ومن أجل زيادة الخير خيرين قامت الوزارة مشكورة بدمج مدرسة لغات أخرى بها على طريقة "أربعة ورا.. نستحمل بعض يا جماعة"..وكانت النتيجة فشل الاثنين معاً في تقديم الخدمة المميزة التي صدعتنا الوزارة بها ، خاصةً وأن حجرات النشاط وغيرها تحولت إلى فصول دراسية .. وصارت مدارس اللغات التجريبية تشبه المسرح التجريبي - بالنسبة للمتلقي العادي طبعاً..

والنايتي في الموضوع أن الرابسو الحالي يريد أن ينهض بجودة التعليم ، وأن يجعل كل المدارس تقدم خدمات تعليمية متميزة شأنها في ذلك شأن مدارس اللغات التجريبية.. وبهذه الطريقة!.. الدمج شغال الله ينور أيضاً في المدارس الحكومية الفقيرة في مواردها والتي تعامل معاملة "بنت الجارية" بعكس نظيراتها التجريبيات..

رابسو حالي يتضارب مع رابسو سابق.. السابق كان يتباهى كل يومين بافتتاح مدرسة جديدة ، مؤمناً بضرورة التوسع الأفقي في عدد المدارس ، التوسع الذي هو فكرة جيدة في ذاته بشرط أن يكون محسوباً بدقة (وهو المستحيل الرابع في كل ما هو رابسو) .. أما الرابسو الحالي فيرى أن ذلك كله كلام فارغ ومضيعة للوقت والمال ، وأن التوسع الرأسي هو الحل ، ادمج لك خمس ست مدارس في مدرسة واحدة وشوف أنا ح أنهضلك بجودة التعليم إزاي!

هذا ما يقودنا إلى المعضلة المصرية الأصيلة : الفتح ولا التسليك ، نقفل الشباك ولا نفتحه ، أربعة ورا ولا قعَّد الراكب الجديد جنب السواق..

إن كانوا يريدون مشاركة مجتمعية فليساعد هؤلاء المجتمع على أن يشاركهم .. وليحملوه ما يطيق كي يتحمل هو معهم..

Monday, August 25, 2008

سيكون هناك سيرك!

الحمد لله .. أنا محروم لأسباب تقنية من مشاهدة الست "منى الشاذلي" وإن كنت أجزم بالتأكيد أنها ستذكرنا بأن رمضان الحالي هو أصعب رمضان في التاريخ لالتقاء الموسم الدراسي مع شهر رمضان ، وهو نفس السبب الذي كان من أجله رمضان السابق هو أصعب رمضان في التاريخ ، والسبب الذي سيصبح رمضان القادم أيضاً من أجله أصعب رمضان في التاريخ.. كأنك تشاهد موعظة من عينة "كلكوا رايحين النار.. من غير سابق إنذار"!

الموسم الدراسي القادم قد لا يكون أصعب موسم دراسي في تاريخ مصر.. لكنه سيكون مقدمة لمواسم مضحكة مبكية تراجيكوميدية..

فقبل ثلاث أسابيع تقريباً من بدايته انشغل المعلمون تماماً بموقعة الكادر الخاص وامتحانات الكادر الخاص بشكل شل تركيزهم تماماً ، سواء منهم من كان من "مناشير" الدروس الخصوصية ، أو من غيرهم.. وصب هؤلاء جميعاً جام غضبهم بطريقة أو بأخرى على الامتحانات التي تنعقد وقت كتابة هذه السطور..

السواد الأعظم من الرأي العام يميل لتفسير ميديا المال السياسي التي ترى أن خطوة الامتحانات تلك مجحفة في ذاتها مثلها مثل الكادر.. وأنها "إهانة" للمعلم ، و"محاولة" لـ"التملص" من الكادر الخاص للمعلمين.. بوصفه "ورطة" وجدت الحكومة نفسها عالقةً فيها..

في المقابل تظهر تفاسير أخرى أراني أميل إلى بعضها إن لم يكن إلى كلها.. منها أن النسبة الأغلب من المعلمين لن تقبل دخول الامتحان لتعلقه بالكادر .. بل لن تقبله في ذاته .. حيتان الدروس الخصوصية وصلوا إلى مستوى من الثقة الزائدة جداً في الذات بحيث أنهم يعتبرون أنفسهم مصنفين عالمياً في مجالاتهم (رغم أن منهم من سافر إلى بلاد النفط وفشل) .. ودخول الامتحان في ذاته هو مهانة كبيرة لهم ولـ"تاريخهم"..

ومنها أيضاً أن المعلم المصري صار يتصرف كموظف يؤدي عملاً روتينياً مملاً ويرفض تطوير نفسه وأدواته.. كنت قد قرأت على أحد المنتديات وجهة نظر ترى أنه كان يجدر على الوزارة قبل الامتحانات أن تقوم بعمل دورات تدريبية تربوية للمعلمين قبل الامتحانات .. ولكن ما أدرى صاحب وجهة النظر تلك وما أدراني أنا وما أدراكم أن تلك الدورات لن تُجَابَه بنفس الاستخفاف (همة بقى عايزين يعلمونا تاني؟.. العالم دي بتهزر؟)؟

والتفسير الأخطر أن هناك مقاومة لأي شكل من أشكال التغيير سببها "النفسنة" المتبادلة بين الوزير من جهة وقيادات التربية والتعليم والمدرسين من جهة أخرى.. جزء من "النفسنة" التي تسود الجهاز البيروقراطي المصري بأكمله ، والتي لم يعد من الذكاء أو الشجاعة تجاهلها ودفن الرءوس بما حوت في الرمال.. فالوزير "بيه" قادم من خارج الوزارة يراه موظفو الوزارة الوالي العثملِّي القادم من "الآستانة" لجباية الضرائب والضرب بالكرباج .. بينما يرى الوزير نفسه ضابطاً صغيراً تم نقله إلى مكان كله "لَبَش" وعليه أن "يلايمها" مع كبار المنطقة كي لا يفعلوا به مثلما فعلوا بسابقه.. احساس متبادل بين الطرفين بالتربص والتآمر لا يمكن معه التقدم خطوة واحدة للأمام .. ويساعد على تفاقم ذلك ضعف "الرابسو" الحالي (لكن برضه بيني وبينكم :من امتى كان فيه رابسو قوي؟ وإزاي تجتمع الرابسوماتيكية والقوة في شخص بِنِي آدم؟)..

سيدخل المعلمون الموسم القادم بلا أدنى تركيز في عملهم الأصلي الذي نسوه في غمرة اللف على "السايبرات" من أجل استخراج نماذج التقدم للكادر ، والاعتذار عن الكادر ، وامتحانات الكادر .. خاصة وأن وزارة التربية والتعليم تثبت عبقريةً لم يخلق مثلها في البلاد في مسألة تصميم المواقع تتمثل في نظرية "شيل السايت م الأرض".. الوزير نفسه لا يركز هو الآخر فيما هو عمله من إعداد للموسم الدراسي القادم متفرغاً فقط لمعركة الكادر هو الآخر.. وقد أفلح اليوم من استعلى..

أغلب المعلمين يرفضون تطوير أنفسهم .. والوزارة تدعي تطوير التعليم ثم ترفضه فعلياً عوماً على عوم من يرفضون تنفيذ قراراتها.. والمذهل أننا نتحدث عن التطوير بهذه الطريقة..

لن يستفيد الوزير شيئاً ، ولا المعلمون.. والخاسر الحقيقي هو الطلاب وأولياء أمورهم في النهاية.. إلى أن ينفض السيرك.. أو أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً..

Friday, August 01, 2008

الحصان لازم يموت

من المكونات المؤسسة لـ"هويتنا الثقافية" هي فكرة أن نضع العربة أمام الحصان ، والتي تطورت في ظل الثقافة البيروقراطية-السياسية لدينا خاصةً في مملكة رابسو إلى وضع العربة فوق الحصان من أجل تحقيق النتائج المطلوبة.. دة إن عرف الحصان يقوم من تحت العربية.. ربنا يدينا ويديكم ويديله طولة العمر..

فمنذ عشرين عاماً استقر العقل الرابسوماتيكي على "التعليم الأساسي" دون النظر للظروف الاقتصادية السيئة التي كانت تعيشها مصر في الثمانينيات والتي كانت تمنع من توفير ميزانية "آدمية" للتعليم تجعل من "التعليم الأساسي" "يجيب نتيجة" مش بنزين 80 ، ودون الاهتمام بتدريب وتكوين معلمين قادرين على تنفيذ النظام كما ينبغي ..والنتيجة معروفة..

وعندما فكروا فيما بعد في تطوير الثانوية العامة دمجوا الكتب دون النظر لـ"الحمل" المفروض على التلميذ.. كونترول سي وكونترول في وسلطاتك وعيش وحيدخل الواد كليات "الكمة" وحيدعيلك.. وعندما فكروا في صياغة معايير للجودة نسوا ما علمونا إياه أن أي معايير يجب أن تصاغ بلغة مفهومة وواضحة ..

وقد تفتق ذهنهم مؤخراً عن "أتمتة" النظام الثانوي وما بعد الثانوي .. أي أنه يتم التقدم للامتحان على إنترنت ، والحصول على النتيجة على إنترنت ، والتقديم لتنسيق القبول وملء الاستمارات على إنترنت.. وكذلك الكادر الخاص للمعلمين وبياناته ونتائجه وامتحاناته.. تكنولوبيا يا معلم!

وقد نسي هؤلاء كعادتهم عدة أشياء تافهة:

1-أولها هو أن المستوى التدريبي لنسبة -أقل ما توصف به أنها "كبيرة"-من العاملين بالحقل التدريسي والعاملين على تجميع البيانات وإدارة المواقع "مريع".. رغم أن وعي المستخدم وتدريب جامعي البيانات والمتعاملين معها من أهم وأخطر ما يمكن لكي تنجح إدارة نظام ما إلكترونياً.. وما اكتشفته عن نفسي أن المشكلة ليست مشكلة كمبيوتر فقط بل مشكلة لغة أيضاً.. في كادر المعلم بالذات عايشت مآسٍ في هذا الصدد سواء على مستوى كتابة البيانات أو إدخالها أو التعامل معها.. وفي السايبرات بح أصوات العاملين فيها في محاولات يائسة لتوضيح مفاهيم مثل "السايت واقع" .. "مش حيقبل بيانات إلا إذا عدلتها من الموقع الرئيسي"..

2-ثانيها هو الرداءة القاتلة في تصميم تلك المواقع.. لا يعقل أن تصمم مواقع يدخل عليها الملايين وتكون بهذه الهشاشة التي تجعل "السايت" "يقع" إذا ما دخل عليه ألف شخص في نفس التوقيت (وهو رقم "حقير" في عالم إدارة المواقع).. لاحظوا شكاوى الناس - ولهم حق- من بطء وتوقف مواقع النتائج والتنسيق بالتحديد..

3-وثالثة الأثافي أنهم نسوا أنه وبرغم الرخص النسبي لأسعار أجهزة الكمبيوتر حالياً ، إلا أن عدد مستخدمي الكمبيوتر في مصر عامة ، وعدد من يستخدمون إنترنت في مصر بشكل خاص ليس بالضخامة التي توجب تعميم نظام إلكتروني ، وأدعياء التطوير - ولله الحمد على الحلو والوحش- يقنعوننا بأنهم يعلمون الجيل الحالي السبيل الأمثل للتعامل مع الشبكة العنكبوتية في حين أن نسبة من طلاب المدارس الحاليين لا تجيد البحث على محرك بحث مثل جوجل أو ياهوو رغم أنهم مطالبون عن طريق "الأبحاث"- تقليعة رابسوماتيكية على طريقة "العربة فوق الحصان"- بالبحث عن معلومات على النت بأنفسهم دون الاستعانة بـ"صديق".. وأن النسبة التي تجيد وتتقن تلك المسألة حصلت على ثقافتها من خارج النظام التعليمي الرابسوماتيكي بأكمله!

تكنولوجيا بلا إعداد ، سياسات بلا استعداد ، وتكاليف تهدر في الفريش إير.. لو كان قتل الحصان ضرورياً كما يرون لضُرِبَ طلقتين "بتلات تعريفة" على طريقة الأفلام القديمة ، لا أن توضع فوقه عربة .. فوقها عربة .. فوقها عربة..تذكروا قصة الدولة الآسيوية التي اشترت أغلى وأعقد مصفاة للنفط في العالم قبل أن تدرب عمالة على استخدامها ، وكانت النتيجة فضيحة.. ولا تسألوا عن التفكير العلمي في وزارة التربية والتعليم .. ويحيا رابسو واحنا والحصان مش مهم.. وسلمولي على "نجلا"!