Tuesday, July 17, 2007

الثانوية الكالحة .. ووجهنا القبيح

لتتهمونني بالسذاجة ، أو بقلة الفهم ، أو بـ"الرومانسيكية" الزائدة عن المسموح والطيبة التي تفضي إلى العبط ، لكنني لا أفهم سر هذا الهوس الضخم الذي صاحب اليومين السابقين بخصوص المسماة الثانوية العامة..

أعتقد أن أي شخص من خارج بلادنا العجيبة سيصاب بحالة من الاستغراب عندما يرى الصحف القومية تخصص مانشيتاتها الرئيسية - أكرر : مانشيتاتها الرئيسية -لأخبار نتائج الثانوية العامة ، سيتطور استغرابه إلى ذهول عندما يرى أولياء الأمور في أنصاص الليالي متزاحمين على مقاهي النت التي تعرض خدمة النتيجة ، وسيتضاعف ذهوله عندما يفتح التليفزيون اليوم ، وسيصل لقمته عندما يخبره أي دارٍ بالشئون المصرية أن الثانوية العامة هي مجرد شهادة عامة كأي من مثيلاتها في العالم المتقدم والمتخلف على السواء!

عشرات المواقع تعرض خدماتها ، بمن فيها موقع وزارة التربية والتعليم نفسه ، في توصيل النتائج للمتلهفين عليها قبل الموعد المقرر لها.. أضف لذلك سباق الهمبكة المعتاد بين الحزب الوطني والآخرين على تقديم هذه الخدمة الجليلة..وربما يصل الأمر كما علمت للبحث عن "وسايط" لمعرفة النتيجة!

مبدأ الاستغلال الملعون الوغد يفرض نفسه ، حالة التوتر التي يصل إليها أولياء الأمور والطلبة تصل لذروتها يوم النتيجة فنجد ألف من يستغلها ويضاعفها وينفخ فيها لتحقيق مزيد من المال والمكاسب السياسية والدعائية..

كل هذا الاستغلال على حقارته نقطة في بحر استغلال الميديا ، فالصحافة أصبحت لعبتها الثانوية العامة خصوصاً الصحافة الحكومية ، ملاحق طوال العام ، وتوقعات مرئية ومسموعة ومشمومة ، ومانشيتات حمراء كبيرة زاعقة ، وتركيز مبالغ فيه على الأوائل والدرجات والمجاميع والتنسيق (اللي بقى "إلكتروني"-مسخرة!)..

كان الرعب في الشارع من الثانوية العامة قيراطاً ، فتحول إلى عشرة فدادين ، وأصبحت تلك الشهادة شيئاً لا يفوقه - مباشرة- إلا يوم القيامة الذي بعده خلود بلا موت ، خاصة بعد "بَروَزة" المجاميع العالية ومجاميع التنسيق ، والتي أصبح بعدها من يحصل على 95% "على باب الله" ولا يستطيع دخول كلية ، تخيلوا تأثير ذلك على أولياء الأمور والطلاب المتأثرين - أصلاً- بحسابات مجتمعية معقدة كانت تحتاج ليد الميديا والمسئولين لتساهم في تغييرها وإصلاحها..

الرعب لا يخضع يا سادة لقوانين نيوتن ، فلكل رعب رد رعب مساوي له في الاتجاه مضاعف له في المقدار، سيتضاعف الرعب من الثانوية العامة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه إلى ما هو أبعد من الإغماء وحالات الانتحار والغش الجماعي واستخدام الوسائل غير المشروعة لاجتيازه وتخطيه..

صدقوني .. سيمصمص "الأشقاء" - وغير "الأشقاء" - الشفاة على ما آل إليه حال المجتمع المصري التي تقيمه شهادة وتقعده ، وعندما تسنح الفرصة يستغل (وربما -جداً- ينهش) بعض أفراده البعض الآخر.. ستصير الثانوية الكالحة اللبانة الجديدة التي تلوكها ألسنة أخرى في العالم العربي بعد فتيات الليل (رغم تواجد الدعارة بكل أنحاء البسيطة) وإحصائيات "المركز القومي للبحوث" (المشكوك في صحتها).. وربما تخرج نكت جديدة علينا كمصريين محورها تلك الشهادة!

متى يعرف من ينفخ في نار الثانوية العامة بهذه الطريقة أنها لن تحرقه وحده؟

متى نفيق؟

Friday, July 13, 2007

مودرن إنجليشي!

أعتقد أن برنامج "القاهرة اليوم" مدين باستفاقته الأخيرة إلى حد كبير إلى موقع طلاسم دوت كوم والذي دلني عليه صديقي شريف نجيب فضلاً عن مواقع أخرى .. الموقع يتضمن عدداً من الصور الطريفة والغريبة في العالم العربي ومنها بالتأكيد في مصر.. ومن أكثر الصور طرافة على الإطلاق هي الصور التي تتعلق باللغات الأجنبية في مصر..وبخاصة الإنجليزية..

من أطرف ما شاهدت من تلك الصور في القاهرة اليوم صورة لعبقري قرر وضع لافتة بعنوان "موقف صيدلية" ، وبأسفل منها كتب "Pharmacy Situation" على أساس أن شخصاً أكثر عبقرية قد أقنعه بأن ترجمة كلمة "موقَف" بفتح القاف هي "situation" !..

وما يمكنك أن تراه بعينيك في الشارع لا يقل غرابة عن ما نقله القاهرة اليوم عن طلاسم وأخواته ، أنا شخصياً شاهدت مطعماً للوجبات السريعة في طلخا مكتوب عليه بالإنجليزية "الفصحى المعدلة" كلمة naw بدلاً من now!

ويبدو أن الجيل الصاعد قرر في لاوعيه الانتقام من انجلترا التي احتلتنا لمدة اثنتين وسبعين سنة وأخرجتنا من كأس العالم ، فقرر اختراع إنجليزية جديدة يصعب على الإنجليز أنفسهم فهمها ، وقرر "البعبرة" عن نفسه بهذا الـ"Modern English" !

في الواقع ، هؤلاء يكتبون تلك الأشياء كما تعلموها تماماً .. نظرية "اسمع واكتب" ، كأنما لا توجد مناهج ولا يوجد مدرسون ولا يوجد تعليم بالمرة..

وفي التعليم المصري وربما في الثقافة المصرية حالة مستفزة من التساهل مع الخطأ الإملائي في تعليم أي لغة كانت حتى ولو كانت اللغة العربية ، اعتماداً على المقولة المصرية الشهيرة "هوة حد واخد باله" ، والنتيجة "الباهرة" هي ما نشاهده من أشياء عجيبة في الامتحانات وفي السير الذاتية وفي الجامعات وفي الأماكن السياحية ولافتات المحلات..

والطريف جداً أنه أمام هذا التساهل والاستهتار مع الخطأ الإملائي في أي لغة يتم تدريسها في مصر يتم التشدد وبشكل خانق مع القواعد النحوية ، فالـ grammar في الإنجليزية كابوس ويحتاج لخطة تتطلب حفظاً صاماً وتنفيذاً حرفياً دقيقاً كأنك في عملية انتحارية ، قواعد if والأزمنة المختلفة و...و...ويصاحب ذلك كله تجاهل حتى لاستخدام تلك الكلمات كلاماً ونطقاً ، فيصبح لدينا - ما شاء الله ما شاء الله - طلاب - ما شاء الله ما شاء الله - يعرفون كل أزمنة الإنجليزية - ما شاء الله ما شاء الله - ويحفظون آلاف الكلمات - ما شاء الله ما شاء الله - ولا يستطيعون نطقها ولا كتابتها بشكل صحيح - ما شاء الله ما شاء الله!

عن نفسي ، ومن أهم ما تعلمته في سنواتي التسع والعشرين أن التشدد في الأشياء الأقل أهمية بغرض منع الأخطاء الصغيرة من الحدوث يتسبب في حدوث الكوارث الكبرى .. كلمة تكتب بطريقة خاطئة في لافتة يقرأها الناس في الشوارع ليل نهار وربما يقرأها الأجانب بطريقة أو بأخرى .. أليست مسخرة؟

أتمنى أن يتعلم الناس اللغة لتعلم اللغة وليس لتخطي حاجز في سباق 100 كيلو تعليم حواجز ، وكذلك أن يعي القائمون على تدريس اللغة ووضع مناهجها شيئاً مما يفعلون وأن يعطوا لتعليم الطلاب الكتابة والقراءة والكلام باللغة اهتماماً كما يعطى لقواعد وتصاريف الأفعال ، قبل أن تخرج فضائح الـ Modern English عن السيطرة!

Friday, July 06, 2007

حكاية الجرس والفرافير

وإذا لم يكن ما كتبته في التدوينة السابقة يبدو غريباً ، دعوني أنقلكم إلى ما هو أغرب.. وهو يذكرني بقصة من حكايات أيسوب في التراث العربي..

قيل أنه كان هناك قط سمين يأكل في كل يوم عدداً من الفئران ، فلما استشعرت الفئران الخطر فكروا في فكرة تحد من خطر هذا القط المفترس .. فبادر أحدهم إلى فكرة تعليق جرس في رقبة القط ، ما أن يتحرك حتى يحدث الجرس صوتاً فيلزم كل فأر الحذر ويختبئ حتى يرحل، ولاقى الاقتراح الجديد قبولاً واسعاً ، إلا أنه كانت هناك مشكلة بسيطة واحدة .. من الذي سيتولى تركيب الجرس؟

ما هي علاقة ما سبق بما هو آت؟.. أقول لكم..

نشر أحد المواقع نقلاً عن صحيفة حكومية قبل أيام قليلة الأعداد التي سيتم قبولها من طلبة الثانوية الغامة في الكليات والمعاهد ، والأعداد نفسها تثير علامات استفهام ، فكليات الآداب ستستقبل طبقاً للصحيفة 55 ألفاً ، 53 ألفاً لكليات التجارة ، 7900 طالباً لكليات الطب..

والظريف في الموضوع أن الدكتور هاني هلال في نهاية الخبر قال أنه "بأنه سيتم استيعاب جميع الطلاب الناجحين في الثانوية العام هذا العام بالجامعات والمعاهد العليا".. الاكليشيه نفسه مكرر وربما كنا نسمعه كل عام منذ أيام توت عنخ آمون ، لكن الأرقام التي نشرت في ذاتها لغز كبير ، دعوكم من كليات التجارة والآداب التي خلفها النظام التعليمي ونساها ودفنها وتقبل فيها العزاء.. ولننظر لأعداد طلبة كلية الطب..

في الماضي كانت أعداد طلبة كلية الطب قليلة ومحددة ، لأن المجاميع لم تكن قد ارتفعت بهذا الشكل المخيف ، وكان هناك بعض الأريحية في إعدادهم وتجهيزهم لأن المعامل والإمكانيات كانت مناسبة لتلك الأعداد ، وعليه كان مستوى مهنة الطب أفضل بكثير..

وتزايدت الأعداد التي لم يعمل لها أحد حساباً ، وتزايد الضغط ، وكان على المجاميع أن تزيد حتى لا يغضب الشارع (وإن كانت وجهة نظره كما أراها تغيرت بعد ما رأى بعينه كم طوابير العاطلين نتيجة للسياسات الخرقاء ولأشياء أخرى)، وحتى "يدب" الرابسوماتيكيون أصابعهم في عين التخين مؤكدين على أن هذه المجاميع المحقونة بالهرمونات هي مؤشر على نجاح النظام التعليمي بأكمله ، وكان أمراً طبيعياً أن ينوب كليات الطب من الحب جانب..فارتفعت الأعداد لتتخطى إمكانيات الكليات جمعااااااء!

أولاد البطة البيضاء (أساتذة الجامعات) لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ، فمستقبلهم مضمون مضمون مضمون ، أما أبناء البطة السوداء من غير حملة الوسائط فأمامهم التكليف واللف على العيادات وعدم التفرغ وعدم التركيز ، والنتيجة أشخاص يموتون في المستشفيات بإهمال طبي لا يهم أحداً مناقشته ، وأشخاص آخرون يلتقطون فيروس سي من مستشفيات أخرى .. ومسئولو النقابة لا يفلحون إلا في تكرار بعض الإكليشيهات الـ(....) من عينة : الطب في مصر على أعلى مستوى ومستهدف!

والكل عندما يثار موضوع انحطاط مستوى الطب في مصر يتعامل مع الأمر مثلما تعاملت الفرافير مع الجرس العجيب.. منطق "ماليش دعوة"..

الجامعات أساتذة وموظفين وإداريين يصبون جام غضبهم على النظام التعليمي الرابسوماتيكي الذي دفع بكل تلك الأعداد من الطلاب التي تفوق إمكانيات كليات الطب وربما حاجة المجتمع.. ويقولون "مالناش دعوة"..(أما نقابة هايديلينا فمالهاش دعوة هي الأخرى وتتمنى الأعداد تكتر والاشتراكات تكتر والخير يعم ويزيد ..همة خسرانين حاجة)..

والقائمون على التعليم قبل الجامعي يؤكدون أنهم بدورهم "مالهمش دعوة" .. هذه هي الأعداد التي دخلت مراحل التعليم كلها ويجب أن تواصل مسيرتها المظفرة من المنبع إلى المصب في الجامعات..ثم أن أهم أوراق اللعبة بيد مكتب التنسيق ، إذا ما ارتفع المجموع عن كذا "اشحن" الطلبة على الكلية الفلانية ، واللي مايجيبوش "اشحنوهم" على أي كلية من كليات القاع ودوري المظاليم!

المضحك أن كل هؤلاء يعرفون بضخامة الأعداد وبحجم المشكلة ، كما يعرف الفئران تماماً أن مشمش جاي (زي هراس جاي للي شافوا المسلسل الشهير) ، وكل هؤلاء يتهربون من المسئولية كما تهرب كل فرفور..

قد يقول بعض من سمعوا حكاية أيسوب أنه من الممكن أن يتعاون أكثر من فأر ، وربما الفئران كلهم ، في تعليق الجرس في رقبة القط ، وهذا هو ما لم يحدث ولن يحدث في حالتنا ، فلكل مصالحه ولكل هدفه ولكل رغبته في الهرب من المسئولية إن كانت وزارة التعليم أو كليات الطب أو النقابة.. ثم يمصمصون شفاههم هم والصحفيون على الحال المدندر لمهنة الطب في ربوع المحروسة ، قبل أن يصل العجز بالجميع إلى الدرجة التي يلقي فيها باللائمة على القوى الخارجية الغامضة وربما الشمس والزلزال ، كما يحدث في كل خيبة في مصر..

وسننتظر طويلاً ، وربما يؤنسنا أبناؤنا وأحفادنا لانتظار يوم يجتمع فيه الفرافير معاً لبحث مسألة تعليق الجرس!

هذا بالنسبة لطلبة كلية الخمسة عين سابقاً ، ولا تحدثوني -الآن على الأقل- في طلبة كليات التجارة والحقوق والآداب.. فهؤلاء عرفوا مصيرهم تماماً ، ولن يبالي مخلوق لـ"كربستهم" في الكليات بسبب المجموع على طريقة "خش رابع ورا" .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..